نُزهة الْمَالِك وَالمملوك فِي مُخْتَصر سِيرة مَن ولي مصر مِن الْمُلُوك
«يؤرّخ مِن عَصر الفراعنَة وَالأنبيَاء حَتّى سَنة ٧١٧ هـ»
تأليف
الْحسَن بن أبي محمّد عَبد الله الْهَاشِمِي العبّاسي الصَّفَدِي
تُوفّي بُعَيدَ ٧١٧ هـ - ١٣١٧ م
مخطوطَة المتحف البريطاني
رَقم ٢٣٦٦٢
تَحْقِيق
الْأُسْتَاذ الدكتور
عُمر عبد السَّلَام تَدمري
المكتبة العصرية
অজানা পৃষ্ঠা
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كلمة المحقّق
يعتبر عصر المماليك من أغنى العصور في المؤلّفات التي صنّفت على أيدي مؤلّفين لم يتركوا فنّا إلاّ أحاطوا به وكتبوا عنه.
وكنت من القائلين - ولا أزال -: إن العصر المملوكيّ هو عصر الموسوعات الضخام، وعصر المؤلّفين العمالقة الكبار، والموسوعيّين الأفذاذ، أمثال: ابن حجر، وابن منظور، وابن تيمية، وابن كثير، والذهبي، والصفدي، والمقريزي، والعيني، والسخاوي، والسيوطي.
ورغم أنّ عشرات المخطوطات لكبار المؤرّخين قد حقّقت وطبعت ونشرت، فلا تزال خزائن المكتبات في العالم تحتفظ بالعشرات، إن لم يكن بالمئات من المخطوطات التاريخية لمؤرّخين مشاهير، وآخرين مغمورين.
وكتابنا هذا، المحفوظة نسخته الخطّية في المتحف البريطاني، على صغر حجمه، وعدم شهرة مؤلّفه، لا يقلّ أهمّيّة في مادّته ومعلوماته عن أمّهات المؤلّفات الكبيرة، لما يتضمّنه من معلومات وأخبار تاريخية نادرة لا نجدها في غيره، وهو بذلك يضيف إلى مخزون المصادر الأخرى صفحات جديدة تؤرّخ للمراحل الأولى من قيام دولة المماليك، ليس في مصر فحسب، بل لبلاد الشام أيضا، وكذلك لآسية الصغرى، وبلاد الحجاز، واليمن، وغيره.
لهذا، رأيت - بعد الاتكال على الله تعالى - أن أقوم بتحقيق هذا الكتاب، ليكون في متناول الباحثين، والقرّاء، ومحبّي التاريخ، وخدمة لإحياء تراث الأمّة.
والله من وراء القصد، وله الحمد في الأولى والآخرة.
طرابلس الشام المحروسة
الثلاثاء ١٠ صفر ١٤٢٣ هـ.
٢٣ نيسان - إبريل ٢٠٠٢ م.
خادم العلم وطالبه
عمر عبد السلام تدمري
أبو غازي
1 / 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
التعريف بالمؤلّف
هو الحسن بن عبد الله أبي محمد بن عمر بن محاسن بن عبد الكريم بن عبد المحسن بن عبد الكريم بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ﵁.
هكذا كتب اسمه واسم أبيه وأجداده ووصل بنسبه إلى العبّاس، عمّ الرسول ﷺ، ابن عبد المطّلب، وذلك في آخر كتابه: «آثار الأول في ترتيب الدول» (١) فهو، إذا، عبّاسيّ، هاشميّ، من قريش، ومن أهل مدينة صفد بشمال فلسطين، ولذلك عرف بالعبّاسي الصفدي. ومن ذراري هارون الرشيد. فالخليفة العباسي هو جدّه التاسع.
لا يعرف متى ولد، ولا متى مات، فالمصادر لم تترجم له، إذ لم يذكره «الصفدي» في «أعيان العصر وأعوان النصر» الذي ترجم فيه لأعلام عصره ومعاصريه، ولم يذكره الحافظ «ابن حجر العسقلاني» في «الدرر الكامنة»، مع أنه من المتوفّين في المئة الثامنة، وهو من شرطه، فهو كان موجودا حتى سنة ٧١٧ هـ. / ١٣١٧ م. على الأقلّ، ما يعني أنه من مواليد القرن السابع، ويحتمل أنه ولد في منتصف القرن السابع، أو قبل ذلك بقليل، أو بعده بقليل.
أرّخ بعضهم وفاته بسنة ٧١٠ هـ. / ١٣١٠ م.، وهذا غير صحيح (٢). وذكر «كحّالة» (٣) وغيره، أنه كان حيّا قبل سنة ٧١٦ هـ. / ١٣١٦ م.، بينما ذكر الدكتور «شاكر مصطفى» (٤) أنه توفّي بعد سنة ٧١٦ هـ. / ١٣١٦ م. ونحن نؤكّد أنه كان حيّا في سنة ٧١٧ هـ. / ١٣١٧ م. بدليل أنه يروي حادثة السّيل الذي خرّب بعلبك في السنة المذكورة في آخر هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
_________
(١) حقّقه د. عبد الرحمن عميرة - طبعة دار الجيل، بيروت ١٤٠٩ هـ / ١٩٨٩ م - ص ٣٧٣ و٣٧٥.
(٢) هكذا أرّخ وفاته د. عميرة على صفحة الغلاف من الكتاب.
(٣) هو عمر رضا كحّالة، في: معجم المؤلفين - منشورات مكتبة المثنّى، ودار إحياء التراث العربي، بيروت ١٣٧٦ هـ / ١٩٥٧ م - ج ٣/ ٢٤٠، ٢٤١.
(٤) في: التاريخ العربي والمؤرّخون - طبعة دار العلم للملايين - بيروت ١٩٩٠ - ج ٣/ ٢١٠.
1 / 7
ذكره الدكتور «شاكر مصطفى» مرّتين في كتابه (١)، ففي المرّة الأولى ذكره باسم: «الحسن بن عبد الله بن محمد بن عمر العباسي بن عبد المطّلب»، وفي المرة الثانية ذكره باسم «الحسن بن أبي محمد عبد الله الهاشمي العباسي الصفدي»، وبذلك أخطأ مرتين، أولا: أخطأ بقوله: «الحسن بن عبد الله بن محمد. . .»، والصواب: «الحسن بن عبد الله أبو محمد»، وثانيا: فرّق بين الإسمين، وهما لشخص واحد.
...
معارفه الثقافية
نشر له الدكتور «عبد الرحمن عميرة» كتاب «آثار الأول في ترتيب الدول»، وقال تحت عنوان: «المؤلّف. نسبه وحياته» ما يلي:
«تتجاهل كتب التراجم هذا الرجل تجاهلا كاملا. فلا تتعرّض لحياته من قريب أو من بعيد، فنحن لا نعرف شيئا عن طفولته، ولا عن شبابه، ولا أين عاش، وتعلّم هذا العلم، واكتسب هذه المعرفة والتجربة، وكل ما عرف عنه هو ما سجّله بنفسه على مخطوطة الكتاب الذي بين أيدينا والتي تحمل رقم ٢٧٣٣/ ٤٢٦٨٩ تاريخ.
إنّ القارئ لكتابه الوحيد «آثار الأول في ترتيب الدول» لا يتصوّر مطلقا أنّ هذا الرجل الألمعيّ، لم يصنّف غير هذا الكتاب، لأنّ المادّة العلمية، والخبرة الواسعة التي ضمّنها كتابه، مع ما فيه من سلاسة العبارة، وقوّة الألفاظ، وسلامة التركيب، تدلّ على أنّ هذا الرجل العملاق له أكثر من مصنّف وأكثر من كتاب، وله باع طويل في مجال التصنيف والتأليف.
ولكنّ البحث والتقصّي وراء نتاج هذا الرجل لم يعد بفائدة تذكر، وبقيت علامات الاستفهام حائرة، أين نتاج هذا الرجل» (٢)؟
ويقول طالب العلم وخادمه، محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري»:
لقد أصاب الدكتور «عميرة» في بعض تساؤلاته، من حيث تجاهل كتب التراجم للمؤلّف، فلم نعرف شيئا عن طفولته ولا عن شبابه، وعلى من تعلّم هذا العلم، واكتسب تلك المعرفة والتجربة؟ ونحن نؤيّده في وصفه له بالألمعيّ، وبالرجل العملاق، وأنّ شخصا مثله لا بدّ أن يكون له نتاج أكثر من كتاب واحد.
وإنّ تحقيقنا ونشرنا لهذا الكتاب يؤكّد أنّ «آثار الأول» ليس الكتاب الوحيد
_________
(١) التاريخ العربي والمؤرّخون - ج ٣/ ٢٠٩ رقم ١٧، وص ٢١٠ رقم ١٩.
(٢) آثار الأول. - ص ٢٢.
1 / 8
للمؤلّف، بل إنّ له كتابا ثالثا، أيضا، بعنوان: «التذكرة الكاملية في السياسة الملوكية»، سنذكره بعد قليل.
ومن خلال مطالعتنا لكتابيه: «آثار الأول» و«نزهة المالك والمملوك» يمكن الوقوف أمام ومضات سريعة تضيء لنا بعض معارفنا عنه، حيث يظهر أنه كان يعيش في مصر، في الفترة التي صنّف فيها مؤلّفاته على الأقل، وأنه كان كاتبا متمرّسا في ديوان الإنشاء، وكان شاعرا له نظم في المديح، وهذا يقتضي أن يكون كاتبا أديبا، عارفا باللغة، والنحو، والصرف، والبلاغة، والبيان، والعروض، وما يتّصل بذلك من معارف أدبية، كما كان مؤرّخا، ومصنّفا، بدليل كتبه التي وصلتنا، وهو إلى جانب هذا وذاك، كان شديد الولاء لسلاطين عصره المماليك، يمالئ كلّ من تولّى السلطنة، ويصنّف كتابا باسم كل واحد منهم، ويغيّر عواطفه، ويلوي عنق قلمه مع تغيّر السلاطين، فهو يكتب للملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري (٦٩٤ - ٦٩٦ هـ. / ١٢٩٥ - ١٢٩٧ م.)، ثم يؤلّف كتابا آخر يكيل فيه المديح والثناء للسلطان «بيبرس المنصوري الجاشنكير» (٧٠٨ - ٧٠٩ هـ. / ١٣٠٨ - ١٣٠٩ م.) وينشد فيه قصيدة من ٣٣ بيتا من نظمه (١)، ثم يؤلّف كتابا ثالثا في سلطنة الناصر «محمد بن قلاوون» - وهي سلطنته الثانية (٧٠٩ - ٧٤١ هـ. / ١٣٠٩ - ١٣٤٠ م.)، فيشيد به وبسياسته، وينشد فيه شعرا (٢)، مع أنه سبق أن أثنى على «بيبرس المنصوري» الذي أخذ السلطنة من «الناصر محمد» عند ما اعتزل بالكرك، وعند ما عاد «الناصر» إلى السلطنة قبض على «بيبرس» مع جملة أمراء آخرين.
إذا، فولاء المؤلّف واضح للسلطان، أيّا كان هذا السلطان، طالما هو على كرسيّ السلطنة.
أمّا قول الدكتور «شاكر مصطفى» إنّ «الصفديّ» كان مقرّبا من السلطان الناصر
_________
(١) أولها: من شاء يسمع منّي أصوب الكلم فليجتل دررا رصّعتها بفمي ويجتن ثمرات من مكارم من أحيا النفوس بطامي جوده الشبم خصائص جمّعت في سيد ملك أضحى عن الناس حقّا كاشف الغمم ومنها: فهو المظفّر بالتأييد قد نشرت والنصر راياته والعزّ والحكم (آثار الأول - ص ٤٤، ٤٥ وفيه ورد: «فليجتلي. . ويجتني»).
(٢) مدحه ببيتين هما: ملك بدايته نهاية غيره كالبدر أول ما يكون هلالا كمل الشّجاعة والفصاحة والحجى فالله يكفيه الزّمان كمالا (نزهة المالك والمملوك - ورقة ٦١ أ).
1 / 9
محمد بن قلاوون ومن ندمائه (١)، فهو غير دقيق، إذ ليس في مصادره ما يدلّ على أنه كان نديما للسلطان، بل كان يعمل كاتبا في ديوان المملكة بمصر، وقد أشار إلى ذلك بنفسه في كتابنا هذا أثناء حوادث سنة ٦٩٤ هـ. / ١٢٩٥ م. حين قال إنّ «ابن الخليلي الوزير» رسم له أن يتوجّه إلى «فاقوس» لتخضير أراضي الخاصّ (أي أراضي السلطان) في تلك السنة، فخرج وبصحبته القاضي، وناظر المعاملة، وغيره (٢).
مادّة الكتاب
إنّ أهمّ ما يلفت في الكتاب الذي بين أيدينا خلوّه من مقدّمة للمؤلّف، فهو يكتفي بوضع ما يقرب من العنوان، فيقول بعد البسملة والاستعانة بالله تعالى: «وهذا كتاب تاريخ يذكر مصر وفضلها، ولم سمّيت مصر، وما كان اسمها من قبل».
هذا ما ورد في نسخة المتحف البريطاني ذات الرقم (٢٣٦٦٢).
أمّا العنوان الكامل: «نزهة المالك والمملوك في مختصر سيرة من ولي مصر من الملوك» فورد في مخطوطة باريس ذات الرقم (١٧٠٦)، وفي باريس مخطوطة ثانية برقم (١٩٣١/ ٢٢) وهي تحمل عنوان: «فضائل مصر».
وقد اخترنا عنوان مخطوطة باريس الأولى ليكون عنوانا للكتاب، فهو أقرب دلالة على مادّته ومضمونه، إذ يعرّف المؤلّف أولا باسم مصر قبل الطوفان وبعده، وبفضلها كونها ذكرت في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وورود عدّة أحاديث شريفة بشأن القبط والوصيّة بهم، ثم يذكر خصائص مصر وما فيها من خيرات، وواحات، وآبار، وبعد ذلك يستعرض أسماء ملوك مصر قبل الطوفان، ثم يأتي على ذكر ملوكها في عهد الأنبياء نوح، ويوسف، وموسى، ﵈، وما كان في أيامهم من أحداث مشهورة، وينتقل بعد ذلك إلى ذكر خراج مصر، ومصالحة الروم والفرس على مصر، والإشارة إلى كنوزها، ليصل إلى مولد النبيّ محمد ﷺ، وكتابه إلى المقوقس، وبداية دخول عمرو بن العاص مصر في الجاهلية، إلى أن فتحها وفتح بلادها الداخلية والساحلية. وبعد ذلك يستعرض أسماء العمّال على مصر وولاتها دون توسّع، فيكتفي بذكر تاريخ الولاية ومدّتها لكلّ منهم، وذلك في العهدين: الأمويّ، والعبّاسيّ، ولم يسلم هذا العرض من نقص لأسماء بعض الولاة سقطت منه سهوا، ويتوقّف قليلا عند الخليفة «المأمون» ودخوله الهرم، ثم يواصل بعده سرد أسماء الولاة حتى ولاية «أحمد بن طولون»، فيروي عنه حكاية تدلّ على حزمه وتيقّظه، ثم
_________
(١) التاريخ العربي والمؤرّخون - ج ٣/ ٢١٠،
(٢) نزهة المالك، ورقة ٥٩ أ.
1 / 10
يذكر أولاده الذين تعاقبوا على حكم مصر، والولاة العبّاسيّين من بعدهم مجدّدا، ثم دولة الإخشيد، وصولا إلى الدولة الفاطمية، بدءا من دخول «جوهر الصقلّي» وتخطيط القاهرة. وفي هذا الفصل لا يقتصر المؤلّف على ذكر أسماء الخلفاء الفاطميّين ومدد خلافة كلّ منهم، بل يذكر أسماء الخلفاء العبّاسيّين أيضا، وتواريخ خلافة كلّ منهم، ومدّتها، وتاريخ وفاته. وهو يدمج الخلفاء من الطرفين معا في سياق واحد حسب التتابع التاريخي. ومثل ذلك في عهد سلاطين بني أيوب، ولكنه في هذا الفصل يتوسّع في ذكر ما جرى بين الملكين الصالحين، نجم الدين أيوب، وإسماعيل، إلى أن يصل إلى سلاطين دولة المماليك الترك، ومن هنا ينزع المؤلّف إلى التوسّع حتى نهاية الكتاب، فيقدّم لنا مادّة غزيرة ليس عن مصر وسلاطينها فحسب، بل يتناول حوادث ووقائع كثيرة في أنحاء بلاد الشام، وبلاد الأرمن في آسية الصغرى، وبلاد الحجاز، واليمن، ويعرض لعلاقات المماليك والتتار، وعلاقات المماليك بعرب الصعيد، والسودان، وعلاقات المماليك بملوك الفرنج، إلى أن ينتهي الكتاب فجأة بعد حادثة السيل الذي خرّب مدينة بعلبك في سنة ٧١٧ هـ. / ١٣١٧ م.
مصادر المؤلّف
يصرّح المؤلّف بأسماء ثلاثة مصادر فقط اعتمد عليها في كتابه، هي: «التاريخ الكبير» لعليّ بن محمد بن عبد الله بن حنّون الطبري، المعروف بأبي الحسن المدائني» المتوفّى سنة ٢٢٥ هـ. / ٨٣٩ م. ولعلّ المراد هو «تاريخ الخلفاء الكبير» (١).
والمصدر الثاني هو كتاب «فتوح مصر وأخبارها» لابن عبد الحكم، أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله القرشي المصريّ، المتوفّى سنة ٢٥٧ هـ. / ٨٧١ م. أمّا المصدر الثالث، فهو كتاب «العجائب» الموضوع للخليفة المأمون، ولا نعرف من هو مؤلّفه.
أمّا المصادر التي اغترف منها ولم يصرّح بها، فمنها على وجه التأكيد كتاب «الإنباء بأنباء الأنبياء» للقضاعيّ، حيث ينقل كلماته حرفيا في بعض المواضع (٢)، كما تتّفق رواية المؤلّف مع روايات «المسعودي» في كتابه «مروج الذهب»، وروايات «الكنديّ» في كتابيه: «الولاة القضاة»، و«ولاة مصر».
_________
(١) انظر عن «المدائني» ومؤلّفاته في: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للحافظ شمس الدين الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) (٥٢ مجلّدا). تحقيق عمر عبد السلام تدمري - طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، ط ١/ ١٤١٢ هـ / ١٩٩١ م. (حوادث ووفيات ٢٢١ - ٢٣٠ هـ) ص ٢٨٨ - ٢٩١ رقم ٢٩٠.
(٢) انظر: نزهة المالك، الورقة ٤٢ أو ٤٣ أ، وقارن بكتاب: الإنباء بأنباء الأنبياء للقضاعي (بتحقيقنا) ص ٣١٨ و٣١٩ و٣٢٣ و٣٦٢.
1 / 11
هذا، فضلا عن أنّ المؤلّف ينقل عن كتابه «آثار الأول» عدّة أخبار، وفيه يذكر أنه ينقل عن كتاب «الألوف» لأبي معشر (١).
وفي المقابل، اتّخذ المؤرّخون من «نزهة المالك والمملوك» مصدرا لموادّ مصنّفاتهم، وإن كان الكثير منهم لم يصرّحوا بذلك، إلاّ أنّ مجرّد المقارنة بين مادّة المؤلّف التي حشدها في «النزهة»، والموادّ التي نراها في كتب المؤرّخين المعاصرين له، أو المتأخّرين عنه، يدعم وجهة نظرنا. فأغلب المادّة في القسم الأول من كتاب «نزهة المالك» نراه يتردّد عند «القلقشندي» في «صبح الأعشى»، وعند «المقريزيّ» في «المواعظ والاعتبار» المعروف بخطط المقريزي، وعند «ابن تغري بردي» في «النجوم الزاهرة»، وعند «السيوطي» في «حسن المحاضرة». أمّا القسم الثاني من مادّة الكتاب فنرى أكثره مكرّرا في عدّة مصادر معاصرة ولا حقة، مثل: «نهاية الأرب» للنويري، و«زبدة الفكرة» و«التحفة الملوكية» لبيبرس المنصوري، و«تاريخ سلاطين المماليك» الذي نشره «زتر ستين» ولا يعرف مؤلّفه، و«المقتفي» للبرزالي، و«الدرّة الزكية» و«الدرّ الفاخر» وهما لابن أيبك الدواداري، و«الجوهر الثمين»، و«النفحة المسكية» وهما لابن دقماق، و«السلوك» للمقريزي، و«بدائع الزهور» لابن إياس.
أهمّيّة الكتاب
لا تنحصر أهميّة كتاب «نزهة المالك» بأنه اعتمد مصدرا لدى المؤرّخين فحسب، بل إنّ أهمّيته تتضاعف حيث نجده ينفرد بذكر عدّة أخبار لا نجدها عند غيره من المؤرّخين، وبذلك يضيف إلى معارفنا معلومات تاريخية نادرة نضيفها إلى ما لدينا من مخزون متداول ومنشور، فلقد هيّأ موقع المؤلّف في ديوان المملكة بمصر فرصة الاطّلاع بنفسه على نصوص المعاهدات بين ملوك مصر والفرنج، وبيانات الإحصاء التي كانت ترد إلى ديوان الإنشاء، وغير ذلك من نصوص نقلها من مصادر نادرة لم نقف عليها، ومن أخبار عن وقائع شاهدها بنفسه، وشارك فيها وعايشها.
فمن المعلومات والأخبار النادرة التي ينفرد بها كتابنا هذا، ما ذكره المؤلّف من محاسن مصر (٢)، وخيرات مصر (٣)، ونصّ الهدنة بين الملك الصالح نجم الدين أيوب والفرنج، في سنة ٦٢٦ هـ. / ١٢٢٨ م. وتشمل جبل بيروت وصيدا وأعمالهما وأراضيهما وحدودهما، وقلعة الشقيف وأعمالها، وقلعة تبنين وأعمالها، وقلعة هونين
_________
(١) آثار الأول - ص ١١٤.
(٢) نزهة المالك ٤ ب، ٥ أب.
(٣) نزهة المالك ٧ أ - ٨ ب.
1 / 12
وأعمالها، والحيط وبلاده - ويقصد به جبل الشوف أو بلاد الدروز - واسكندرونة وإقليمها - وهي حصن اسكانداليون الواقع على ساحل البحر بين مدينة صور ورأس الناقورة - وتشمل أسماء مدن وقرى وضياع كثيرة في فلسطين، لم تذكر في الهدن الأخرى بين المسلمين والفرنج (١)، وخبر حيلة الملك الصالح إسماعيل مع البعلبكيّين ودخولهم دمشق في سنة ٦٤٠ هـ. / ١٢٤٢ م (٢). وخبر الغلاء العظيم والفناء الذي شهدته مصر، ومعايشة المؤلّف للمجاعة الهائلة والفظاعات التي جرت في سنة ٦٩٤ هـ. / ١٢٩٥ م. ومشاهدته عيانا لإحدى النساء وهي تأكل من لحم زوجها بعد أن صرعته وقامت بشيّه (٣). وقد ذكر «ابن أيبك الدواداري» (٤) ما يشبه هذا الخبر من مشاهداته الشخصيّة أيضا، وهو يعزّز ويؤيّد صدق رواية المؤلّف «العبّاسي الصفدي»، الذي يضيف إلى معلوماتنا جديدا عن عرب الصعيد وما غنمه عسكر السلطان الناصر محمد بن قلاوون من خيولهم وجمالهم في أواخر سنة ٧٠١ هـ (٥). / ١٣٠١ م. وينفرد بوصف مدينة ملطية بعد فتح عساكر المماليك لها في سنة ٧١٥ هـ (٦). / ١٣١٥ م.
وأضاف بعض المعلومات عن حادثة السيل الذي طغى على بعلبكّ في سنة ٧١٧ هـ. / ١٣١٧ م (٧). علما بأنّ هذا الحادث لم يرد في المخطوطتين الباريسيّتين، وانفردت به نسخة المتحف البريطاني التي بين أيدينا.
لغة الكتاب
ممّا يثير التساؤل أنّ المخطوط الذي نحقّقه مليء بالأغلاط والأخطاء اللغويّة والنّحويّة، وهذا يتعارض مع كون المؤلّف أديبا وكاتبا وشاعرا، وله موقعه في ديوان المملكة، ويزداد تساؤلنا وحيرتنا إذا قارنّا لغة هذا الكتاب «نزهة المالك» بكتاب «آثار الأول» وهو للمؤلّف نفسه، حيث نلمس فارقا واضحا بين لغة الإثنين، فكتاب «الآثار» كتب بلغة سليمة ومتينة لا تشوبها شائبة، بعكس كتابنا هذا «النزهة» الذي وردت فيه أغلاط كثيرة، وخاصّة عند كتابة السنوات والأعداد التي تأتي بالعشرات أو المئات، مثل قوله: سنة ستّ عشر، وسبعة وعشرون سنة، وكان الجميع ما يتي ألف
_________
(١) نزهة المالك ٤٦ ب - ٤٧ ب.
(٢) نزهة المالك ٤٨ ب.
(٣) نزهة المالك ٥٧ أ.
(٤) الدرّة الزكية - ص ٣٦٣ - ٣٦٥.
(٥) نزهة المالك - ورقة ٦٠ ب، ٦١ أ.
(٦) نزهة المالك - ورقة ٧٩ أ.
(٧) نزهة المالك - ورقة ٨٨ ب - ٩٠ أ.
1 / 13
وأربعين ألف ومايتي واثنين وخمسين إنسانا، وقوله: أربع أيام، وخمس عشر ذراعا، وعشرة سنين. ومثل هذا كثير. ويقلب الألف المقصورة إلى ألف ممدودة في كثير من الكلمات، مثل: تسرّا - تسرّى، وقرا - قرى، وبنا - بنى، وأعلا - أعلى، وطغا - طغى، وأوفا - أوفى، ويجمع: جمال على: أجمال، ويحذف الهمزة من وسط الكلمة، مثل: نساها - نساؤها، وباساة - بإساءة، ويقلب الهمزة في آخر الكلمة إلى هاء، مثل: صحراه - صحراء، ويضيف ألف الجمع في آخر الكلمة للمفرد، مثل:
تشكوا - تشكو، ويضيف الألف على كلمة «بن» الواقعة بين اسمين «علمين، ويقلب أحيانا الظاء ضادا، مثل: أضرفهم - أظرفهم، وكتب: «الأغنام. . أغلاهم ثمنا»، و«نزلوا الغطّاسون»، و«الذي أنشئت»، و«ينزلوه في البير يجلسوه على الصخر» و«كان على رأس الهرم صنما عظيما كبيرا»، و«فوافقوه الباقين»، ومثل ذلك كثير.
وقد يقال: لعلّ الأغلاط والأخطاء من الناسخ؟
ولكن، هل يغلط الناسخ كلّ هذه الأغلاط وهو ينسخ عن أصل المؤلّف المتمكّن من اللغة؟
وبمقارنة مخطوطتي المؤلّف: «آثار الأول» و«نزهة المالك» نرى تشابههما في الخطّ بحيث لا يمكن التفريق بين خطّ هذه وتلك، ما يعني أنهما لكاتب واحد.
فكيف يكون أحد الكتابين جيّد اللغة، والآخر سيّئها؟
وهل اختلاف موضوع الكتاب ومادّته له تأثير على لغة الكتابة وأسلوبها؟ أسئلة محيّرة، لم نجد لها إجابة قاطعة.
آثار المؤلّف
١ - آثار الأول في ترتيب الدول: هكذا سمّاه المؤلّف في آخر مقدّمته (١)، ويسمّيه الدكتور شاكر مصطفى: «آثار الأول في تدبير الدول» (٢). وقد نشره د. عبد الرحمن عميرة - طبعة دار الجيل، بيروت ١٤٠٩ هـ. / ١٩٨٩ م.
٢ - التذكرة الكاملية في السياسة الملوكية: قال الدكتور شاكر مصطفى: لعلّه كتبه للملك العادل زين الدين كتبغا الذي ولي مصر ما بين ٦٩٤ - ٦٩٦ هـ. / ١٢٩٥ - ١٢٩٧ م. ولم يذكر أين يوجد هذا المخطوط.
٣ - نزهة المالك والمملوك في مختصر سيرة من ولي مصر من الملوك: كتابنا هذا، منه نسخة في المكتبة الوطنية بباريس، برقم (١٧٠٦) وتحمل العنوان المذكور.
_________
(١) آثار الأول - ص ٤٥.
(٢) التاريخ العربي والمؤرّخون - ج ٣/ ٢٠٩.
1 / 14
ومنه نسخة ثانية في المكتبة نفسها، برقم (١٩٣١/ ٢٢) تحمل عنوان «فضائل مصر».
ومنه نسخة ثالثة محفوظة بالمتحف البريطاني، برقم (٢٣٦٦٢)، وهي التي اعتمدنا تحقيقها، وهي أكمل من نسختي باريس، حيث ليس فيهما حادثة سيل بعلبك.
وصف المخطوط
تتألّف النسخة التي بين أيدينا من (١٧٤ صفحة)، حسب ترقيمنا، وحسب ترقيم المتحف البريطاني (٨٨ ورقة) - ١٧٦ صفحة، والفرق بين ترقيمنا وترقيم المتحف صفحتان، وهما ساقطتان من المخطوط بين ورقتي (١١ ب - ١٢ أ) أو (٢٢ - ٢٣) حسب ترقيمنا، ولم يتنبّه صاحب الترقيم إلى النقص.
قياسها ٢٤ × ١٧ سم. في الصفحة الواحدة (١٥) سطرا، وفي السطر الواحد ما معدّله (٩) كلمات، كتبت بخط النسخ المملوكي الجميل الواضح، والمشكول.
وكتبت العناوين بخطّ أكبر، قليلة الحواشي، ليس عليها تاريخ النسخ.
أوّلها: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وبه نستعين. وهذا كتاب تاريخ يذكر مصر وفضلها، ولم سمّيت مصر، وما كان اسمها من قبل. فأمّا ما قرأته في التاريخ الكبير أنّ اسمها كان قبل الطوفان مصريم. . .».
يتّضح ممّا تقدّم أنّ الكتاب ليست له مقدّمة كما جرت العادة.
وينتهي الكتاب بقول مؤلّفه: «والحمد لله وحده. تمّ الكتاب، وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم». دون ذكر كاتبه، أو تاريخ كتابته.
أمّا توثيق الكتاب ومعرفة مؤلّفه، فقد ورد اسمه في وسط المخطوط، ضمن حوادث سنة ٦٩٤ هـ. / ١٢٩٥ م. إذ يقول ما نصّه:
«ومن جملة ما جرى أن رسّم ابن الخليلي الوزير للفقير إلى الله الحسن ابن أبي محمد الصفدي، جامع هذا التاريخ، بالتّوجّه إلى فاقوس وما معهما لتخضير أراضي الخاص في تلك السنة. . .» (١).
مراجع ترجمة المؤلّف
- تاريخ آداب اللغة العربية، لجرجي زيدان - ج ٣/ ٢٧٣.
- دائرة المعارف الإسلامية، لكرنكو - ج ٤/ ٥٦.
- دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة العربية - ج ١٤/ ٢٢٤.
- تاريخ الأدب العربي، لكارل بروكلمان - ج ٢/ ١٦١.
_________
(١) نزهة المالك، ورقة ٥٩ أ.
1 / 15
- تكملة تاريخ الأدب العربي، لبروكلمان - ج ٢/ ٣٣، ٣٤.
- معجم المؤلفين، لعمر رضا كحّالة، ج ٣/ ٢٤٠، ٢٤١.
- فهرست المكتبة الخديوية، بمصر - ج ٥/ ٢.
- التاريخ العربي والمؤرّخون، للدكتور شاكر مصطفى - ج ٣/ ٢٠٩ رقم ١٧ وج ٣/ ٢١٠، ٢١١ رقم ١٩.
1 / 16
نُزهة الْمَالِك وَالمملوك فِي مُخْتَصر سِيرة مَن ولي مصر مِن الْمُلُوك
«يؤرّخ مِن عَصر الفراعنَة وَالأنبيَاء حَتّى سَنة ٧١٧ هـ»
تأليف
الْحسَن بن أبي محمّد عَبد الله الْهَاشِمِي العبّاسي الصَّفَدِي
تُوفّي بُعَيدَ ٧١٧ هـ - ١٣١٧ م
مخطوطَة المتحف البريطاني
رَقم ٢٣٦٦٢
1 / 17
[لوحات من المخطوط]
الصفحة الأولى من «نزهة المالك والمملوك» نسخة المتحف البريطاني
1 / 19
الورقة ٤٦ أمن «نزهة المالك والمملوك»
1 / 20
الورقة ٦٢ ب
1 / 21
الورقة ٦٤ أ
1 / 22
الورقة ٦٩ ب
1 / 23
الورقة ٧٦ أ
1 / 24
الصفحة الأخيرة من «نزهة المالك والمملوك»
1 / 25