والأغاني لا تحرك شيئًا من ذلك؛ بل تحدث ضده من الرعونة (١) والانبساط والشطح، ودعوى الوصول والقرب، ودعوى الاختصاص بولاية الله التي نسب الله في كتابه دعواها إِلَى اليهود. فأما أهل الإيمان، فقد وصفهم بأنهم ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ (٢) وفسر ذلك النبي ﷺ بأنهم يصومون ويتصدقون، ويصلون ويخشون أن لا يُتقل منهم. وقد كان الصحابة ﵃ يخافون النفاق عَلَى نفوسهم، حتى قال الحسن: ما أمن النفاق إلا منافق، ولا خشيه إلا مؤمن.
ويوجب أيضًا سماع الملاهي النفرة عن سماع القرآن، كما أشار إِلَيْهِ الشافعي ﵀، وعدم حضور القلب عن سماعه، وقلة الانتفاع بسماعه، ويوجب أيضًا قلة التعظيم لحرمات الله، فلا يكاد المدمن لسماع الملاهي، يشتد غضبه لمحارم الله تعالى إذا انتهكت، كما وصف الله تعالى المحبين له بأنهم ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾ (٣). ومفاسد الغناء كثيرة جدًّا.
وفي الجملة، فسماع القرآن بنيت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقل، وسماع الغناء ينبت النفاق، كما ينبت الماء (البقل) (٤) ولا يستويان حتى يستوي الحق والبطلان ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ (٥).
والله تعالى المسئول أن يهدينا وسائر إخواننا المؤمنين إِلَى صراط مستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، آمين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله عَلَى سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
_________
(١) الأرعن: الأهوج الأحمق. "ترتيب القاموس" (٢/ ٣٥٨).
(٢) المؤمنون: ٦٠.
(٣) المائدة: ٥٤.
(٤) البصل: "نسخة".
(٥) فاطر: ١٩ - ٢٢.
2 / 474