مرفوعًا من رواية عبيد الله بن زَحْر، عن علي بن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي ﷺ وقد سبق ذكر هذا الإسناد.
والقرآن تُذكر فيه أسماء الله وصفاته وأفعاله، وقدرته وعظمته، وكبرياؤه وجلاله، ووعده ووعيده.
والأغاني إِنَّمَا يذكر فيها صفات الخمر والصور المحرمة، الجميلة ظاهرها؛ المستقذر باطنها، التي كانت تُرابًا، وتعُود ترابًا.
فمن نزل صفاتها عَلَى صفات من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فقد شبَّه، ومرق من الإسلام كما يمرُق السهمُ من الرمية.
وقد رُئي بعض مشايخ القوم في النوم بعد موته، فسُئل عن حاله فَقَالَ: أوقفني بين يديه، ووبخني وقال: كنت تسمع وتقيسُني بسُعدى ولُبنى. وقد ذكر هذا المنام أبو طالب المكي في كتاب "قوت القلوب".
وإن ذُكر في شيء من الأغاني التوحيد، فغالبه من يسوق ظاهره إلي الإلحاد: من الحلول والاتحاد، وإن ذُكر شيء من الإيمان والمحبة أو توابع ذلك، فإنما يعبر عنه بأسماء قبيحة، كالخمر وأوعيته ومواطنه وآثاره، ويذكر فيه الوصل والهجر، والصدود والتجنِّي، فيطرب بذلك السامعون، وكأنهم يشيرون إِلَى أن الله تعالى يفعل مع عباده المحبين له المتقربين إِلَيْهِ كما يذكرونه، فيبعد ممن يتقرب إِلَيْهِ، ويصد عمن يحبه ويطيعه ويعرض عمن يُقبل عليه.
وهذا جهل عظيم، فإن الله تعالى يقول عَلَى لسان رسُوله الصادق المصدوق ﷺ: «مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» (١).
وغاية ما تحرك هذه الأغاني ما سكن في النفوس من المحبة، فتتحرك القلوب إِلَى محبوباتها -كائنة ما كانت- من مباح ومحرم، وحق وباطل.
_________
(١) أخرجه البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥).
2 / 472