ولهذا قيل: إنه رقية الزنا. وقد افتتن بسماع الغناء خلق كثير فأخرجهم استماعه إِلَى العشق، وفتنوا في دينهم. فلو لم يرد نصٌّ صريحٌ في تحريم الغناء بالشعر الَّذِي توصف فيه الصور الجميلة لكان محرمًا بالقياس عَلَى النظر إِلَى الصور الجميله، التي يحرم النظر إليها بالشهوة بالكتاب والسنة وإجماع من يُعتد به من علماء الأمة.
فإن الفتنة كما تحصل بالنظر والمشاهدة، فكذلك تحصل بسماع الأوصاف، واجتلائها من الشعر الموزون المحرك للشهوات، ولهذا "نهى النبي ﷺ أن تصف المرأةُ المرأةَ لزوجها، كأنّه ينظر إليها" (١)؛ لما يخشى من ذلك من الفتنة، وقد جعل النبي ﷺ زنا العينين النظر، وزنا الأذنين الاستماع (٢).
وقال أبو هريرة ﵁: ثلاث فاتنات مُفتنات يُكببن في النار: رجلٌ ذو صورة حسنة، فاتن مفتون به يُكب في النار، ورجلٌ ذو شعر حسن، فاتن مفتون به يُكب في النار، ورجلٌ ذو صوت حسن، فاتن مفتون به يُكب في النار. خرجه حميد بن زنجويه في كتاب الأدب.
القسم الثاني:
أن يقع استماع الغناء بآلات اللهو، أو بدونها عَلَى وجه التقرب إِلَى الله ﷿ وتحريك القلوب إِلَى محبته، والأنس به والشوق إِلَى لقائه؛ وهذا هو الَّذِي يدعيه كثير من أهل السلوك ومن يتشبه بهم ممن ليس منهم، وإنما يتستر بهم، ويتوصل بذلك إِلَى بُلوغ غرض نفسه، من نيل لذته، فهذا المتشبه بهم، ومخادع مُلبِّسٌ.
وفسادُ حاله أشهر من أن يخفى عَلَى أحدٍ. وأما الصادقون في دعواهم ذلك -وقليلٌ ما هم- فنهم ملبوس عليهم، حيث تقربُوا إِلَى الله ﷿ بما لم يشرعه الله تعالى، واتخذوا دينًا لم يأذن الله فيه.
فلهم نصيبٌ ممن قال الله تعالى فيه: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا
_________
(١) أخرجه البخاري (٥٢٤٠).
(٢) أخرجه البخاري (٦٢٤٣)، ومسلم (٢٦٥٧).
2 / 461