قلنا إن الإنسان كان يشرب دم الذبيحة أو يأكل لحمها اعتقادا بأنه يأكل ويشرب من لحم الإله ودمه. وقد قلنا إنه كان يعتقد بأن روح الضحية روحا للإله تنحل من الذبيحة عند الذبح وتنتشر في المحاصيل كالكروم والغلال.
من هنا نشأت عادة أخرى وهي أن يأكل المتدين خبزا أو يشرب نبيذا باعتقاد أنه يأكل من لحم الإله ودمه؛ لأن روح الإله قد تجسدت في محاصيل الغلال والكروم. والخبز والنبيذ هو ما يأخذه المسيحي من قسيسه باعتقاد أنه يأكل ويشرب من لحم المسيح ودمه. (15) ضحية الافتداء
للضحية كما قلنا اعتباران عند المتوحشين: (1) أنها تقدم كطعام للروح أو للإله. (2) أنها تقدم كأنها هي الإله ذاته.
وهناك نوع ثالث من الضحايا يقدم باعتبار أنه يفدي القبيلة أو الأمة من خطاياها. وقد صلب المسيح لكي يفدي الناس من خطاياهم؛ أي لكي يكفر عن ذنوبهم.
والأصل في هذه الضحية هو الاعتقاد بإمكان نقل المرض من شخص لشخص أو لشيء لآخر. مثال ذلك أن ملكا في بتشوانالاند أصيب مرة بمرض ما فأحضر ثورا وتليت عليه الرقيات وأغرق بعد ذلك في النهر. ومنطق هذا العمل عندهم أن المرض قد انتقل إلى الثور وذهب معه بعيدا عن الملك. ولا يزال عندنا - نحن المصريين - آثار باقية من هذا الاعتقاد في رقياتنا حيث تزيل الرقية المرض وتلقيه بعيدا عن المريض بإلقائها بعض أشياء كانت تحرقها في النار وقت الرقية.
وقد نشأ من اعتقاد إمكان نقل المرض اعتقاد إمكان نقل الخطيئة. مثال ذلك أن بعض قبائل أفريقيا يقتل كل سنة شخصين رجلا وامرأة؛ لكي يكفرا عن خطايا القبيلة. يعتقدون أن خطيئات القبيلة قد انتقلت إلى هذين الشخصين وأنهم بقتلهما يغسلون القبيلة من أدران خطاياها ويبررونها أمام آلهتها، كما كان يقتل الأثينيون شخصا عند وفود وباء ما على بلدهم اعتقادا بأن الوباء يموت بموته وينجي الأمة منه، وكما تذري الراقية قطعة الشب التي أحرقتها في النار وقت الرقية اعتقادا بأنها حملت المرض معها وذهبت بعيدا عن المريض. (16) العالم قبل المسيح
كان العالم الذي انتشرت فيه المسيحية تابعا للدولة الرومانية عند بدء انتشار هذه الديانة. وقد كانت هذه الدولة تشمل كل ممالك البحر المتوسط، ودرجت اللغة الرومانية على ألسن التجار فقربت بين هذه الأمم وصبغتهم بالصبغة الرومانية. وقد بعثت التجارة على المهاجرة والنزوح إلى المواني، فكانت الإسكندرية ورومية وأنطاكية ملأى بالسوريين والرومانيين والإسبانيين وغيرهم من الجاليات التي هجرت مواطنها الأصلية، واستعمرت هذه المواني للارتزاق. وقد أدى هذا إلى انتشار الأديان في أصقاع الإمبراطورية وخروجها من أوطانها الأصلية، فكانت الآلهة المصرية تعبد في إنجلترا ورومية بسبب النزلاء المصريين، كما كان يعبد الإله يهوه في الإسكندرية ومرسيليا بواسطة اليهود. وقد كانت بعض هذه الآلهة تتحد في الصفات فيعبدها الناس وإن كانت أجنبية عنهم إلا أنها تتفق في صفاتها مع أحد آلهتهم. أو كانت الظروف تقتضي عبادة الآلهة الغريبة كما حدث مع البطالسة، فإنهم حينما تولوا حكم مصر عبدوا الآلهة المصرية مع أنهم كانوا يونانيين. وقبيل ظهور المسيحية كانت الأديان الوثنية قد ضعفت أمام الفلاسفة وحصل بذلك اشتياق في النفوس للتوحيد اليهودي. ولو لم يكن يهوه إله اليهود وطنيا متعصبا في ألوهيته يكاد لا يعترف بأمة حقيقية بالجنة غير اليهود لعمت عبادته. لهذا تحول الناس إلى العبادة المسيحية؛ لأنها في الحقيقة عبادة الآلهة كلها، لأن المسيحية اشتقت مناسكها وسننها ومراسمها من آلهة مصر وسوريا ورومية وفرنسا وإنجلترا وغيرها، فكانت كل الأمم تعرف شيئا عنها وتعتقد بصحة بعض سننها وأساطيرها. ومما زاد في الإقبال عليها سهولة طريقة التدين بها وصعوبته عند اليهود. (17) نمو المسيحية
إنا نشك في أن المسيح كان إنسانا موجودا. على أننا إذا صدقنا رواية وجوده كشخص ما فإنما نعتقد ذلك باعتبار أنه وجد وقتل كضحية مؤلهة. وهي الضحية التي قلنا إنها كانت تقدم لآلهة الغلال والنبيذ. فقد كان السوريون المجاورون لليهود يعبدون أتيس إله الغلال، وكان من عادتهم أن يقدموا له ضحية سنوية. ولعل الإشاعة التي فشت بعد ظهور المسيحية عن ذبح اليهود للأطفال قد نشأت عن هذه التضحية. وعندنا سبعة أشياء ترجح أن المسيح كان ضحية مؤلهة. وهي : (1)
إذا فحصت عظات بولس في رسائله إلى القورنثيين تجده يصف المسيح كأنه يصف أحد آلهة الغلال تماما. (2)
أكل تلاميذ المسيح وكل المسيحيين الآن الخبز والنبيذ باعتبار أنهما من جسد المسيح ودمه. وهذا ما كان يفعله تماما عبدة أدونيس وأتيس إلهي الغلال؛ لأن الإله يتجسد في المحصولات. (3)
অজানা পৃষ্ঠা