وإذا كانت دلالات العقول قائمة على ما قلناه وشرحناه، فقد بطل أن يكون الإنسان إنما وجد بوجود نطفة قبله، ولا أن الطيرة إنما كانت موجودة لوجود البيضة قبلها، لأن الدلالة قد دلت على حدث العالم، وأن لوجوده أولا، فبطل أن يكون الإنسان إنما وجد لوجود نطفة قبله، وأن النطفة إنما وجدت لوجود إنسان قبلها.
وكذلك القول في الطيرة والبيضة.
فإذا بطل ذلك لم يلزم القضاء، على أنه لا إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان، ولا طيرة إلا من بيضة، ولا بيضة إلا من طيرة، ولا حادث إلا وقبله حادث، وبالله التوفيق.
وأيضا فقد شاهدنا إنسانا، لم يكن مته نطفة، ونشاهد نطفة لم يخلق منها إنسان، فلم يجب أن يقضى على الإنسان، بأنه إنما وجب وجوده لوجود نطفة قبله، أو لوجود انسان بعده، أو لوجود انسان قبله، فلم يجب أن يحكم على البيضة، إنما يجب وجودها لوجود طيرة قبلها.
فإذا لم يجب ذلك في المستقبل، وكان هذا شاهدا على ترتيب ما قلناه، لم يجب أيضا أن نقضى على الإنسان، إنما كان إنسانا لوجود نطفة قبله، وكذلك الطيرة، إنما كانت طيرة لوجود بيضة قبلها. وبالله التوفيق.
ولو كان الإنسان لا يوجد إلا من بعد تقدم النطفة، والنطفة لا توجد إلا من بعد تقدم الإنسان، لم يصح وجود الإنسان، ولا النطفة.
وكذلك القول في البيضة والطيرة. وبالله نستعين.
وكذلك الليالي والأيام، أو كان لا يوم أو قبله يوم، ولا ليلة إلا وقبلها يوم، استحال وجود الليالي والأيام.
فإن قالوا: لو جاز أن يحدث إنسان لا من إنسان، لجاز أن يحدث فعل لا من فاعل.
قلنا: ليس كذلك، لأنا قد علمنا في أفعالنا، أنها تحتاج إلينا في حدوثها،
فقسناها على كل حادث، وليس يمكن مثل ذلك في الإنسان والنطفة؛ لأن النطفة هي الجوهر، وإنما صارت إنسانا بما يوجد فيها من الإستحالة. وهي حدوث أعراض وبطلان أعراض، والجسم واحد، ليس ذلك بمشبه بحدوث الفعل، من جهة الفاعل، فافترقا. وبالله التوفيق.
পৃষ্ঠা ১৬