نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعلُ مثل ما فعلوا
ولستُ كما قال جدك زهير بن جناب. فقال: وما الذي قاله جدي؟ فداك ابنه! فأنشده ابن عائشة " من الطويل ":
ألا رُبَّ ذي فقرٍ وإن كان مثريًا ... يروح عليه شأوه وأباعرهْ
وكم مخربٍ مجدًا تولى بناءه ... سواه فأودى عزه ومفاخره
تحيف منه اللؤم أكناف مجده ... فقد خرب البيت الذي هو عامره
وزال عموداه ورثت حباله ... وأصلح أولاه وأفسد آخره
فقال الأعرابي: لله درك من منشد مجيد وعالم مفيد، والله ما نعرف هذا الشعر. قال: بلى أنشدنيه أبي عاصم.
قال الأصمعي: أتاني أبو الشمقمق، فأنشدني " من المتقارب ":
رأيتك في النوم أطمعتني ... قواصر من تمرك البارحه
فقلت لصبياننا: أبشروا ... برؤيا رأيت لكم صالحه
قواصر تأتيكم باكرًا ... وإلا فتأتيكم رائحه
فأمُّ العيال وصبيانها ... إلى الباب أعينهم طامحه
فقل لي " نعم " إنها حلوةٌ ... ودع عنك " لا " إنها مالحه
وصدق بنجحك تعبيرها ... فلا يك تعبيرها نازحه
فأنت امرؤ تبتني المكرمات ... سبوقٌ إلى الصفقة الرابحه
يداك يدٌ لسهام العدى ... وأخرى لأفواقها مانحه
قال: فامرت له بتمر.
وقال ابن عائشة: يعجبني من شعر أبي الشمقمق قوله في أهل بغداد " من الخفيف ":
ليس فيها مرؤةٌ لشريفٍ ... غير هذا القناع بالطيلسان
وبقينا في عصبة من قريشٍ ... يشتهون المديح بالمحان
قال: صحب النبي ﷺ من المهاجيرن أنيس بن مرثد وأبوه مرثد وجده أبو مرثد، ولا يعرف رجلٌ له ولأبيه وجده صحبة غيره.
قال: وبلغني أن أبا عروة كان يصيح بالذئب، فيوجد ميتًا قد انفلق قلبه، فقيل له: فكيف لم تمت الشاء؟! قال: لأنها قد ألفته وعلمت أنها ليست مذنبة. وأنشد ابنُ عائشة " من المنسرح ": وقال: لاأعرف في وصف الصديق المكاشر أحسن من قول عبد الله بن معاوية بن جعفر " من البسيط ":
لاخير في الود ممن لاتزالُ له ... مستشعرًا أبدًا من خيفةٍ وجلا
إذا تغيبت لم تبرح تُسيْ به ... ظنًا وتسأل عما قال أو فعلا
يري الصديق بإدخال مكاشرةً ... كيما يصول بها يومًا إذا عقلا
فلا عداوته تبدو فيعرفها ... منه ولاوده يومًا إذا اعتدلا
دخل خالد بن صفوان مسجد الجامع، فإذا هو بالفرزدق جالسًا في الشمس، فقال: ياأبا فراس، والله لو رأينك نسوة يوسف لما أكبرنك وما (قَطَّعنَ ايْديهنَّ) . فقال: أنت والله، يا أبا صفوان، لو رأينك نسوة مدين لما قلن: (استأجره غنَّ خَيْرَ من أستأجرت القَويُّ الأمينُ) .
وقال العائشي: أول الفراعنة سنان بن علوان بن عبيد بن عوج بن عمليق يكنى أبا ملك، وهو الأمثل الذي يبست يداه لما مدهما إلى سارة زوجة إبراهيم الخليل ﵇، فوهب لها هاجر بنت ثويب أم أسماعيل؛ وفرعون الثاني فرعون يوسف ﵇، وهو خير الفراعنة، الريَّان بن الوليد ابن ثروان بن اراشة بن قاران بن عمرو بن عمليق، يقال إنه أسلم على يد يوسف ﵇؛ والثالث فرعون موسى ﵇، وهو أخبث الفراعنة، وهو الوليد بن مصعب بن معاوية بن عمرو بن قاران بن عمرو بن عمليق؛ والرابع وهو توفيل الذي قتله بخت نصر حين غزا مصر؛ والخامس أليس بن استاذن وكان طوله ألفي ذراع وكان قصيراه جسرًا لنيل مصر دهرا.
1 / 75