أمرك.
ودعا رجل لبعض السَّلف بأن يحفظه الله فَقَالَ: يا أخي، لا تسأل عن حفظه، ولكن قل يحفظ الإيمان. يعني: أن المهم هو الدعاء بحفظ الدين، فإن الحفظ الدنيوي قد يشترك فيه البر والفاجر، فالله يحفظ عَلَى المؤمن دينه ويحول بينه وبين ما يفسده عليه بأسباب قد لا يشعر العبد ببعضها وقد يكون يكرهه.
وهذا كما حفظ يوسف ﵇ قال: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤] فمن أخلص لله خلصه الله من السوء والفحشاء وعصمه منها من حيث لا يشعر، وحال بينه وبين أسباب المعاصي المهلكة.
كما رأى معروف الكرخي شبابًا يتهافتون في الخروج إِلَى القتال في فتنة، فَقَالَ: اللهم احفظهم، فقِيلَ لَهُ: تدعو لهؤلاء؟ فَقَالَ: إن حفظهم لم يخرجوا إِلَى القتال.
وسمع عمر ﵁ رجلًا يقول: اللهم إنك تحول بين المرء وقلبه، فَحُلْ بيني وبين معاصيك. فأعجب ذلك عمر ودعا له بخير (١).
ورُوي عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤]، قال: يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إِلَى النار (٢).
حج بعضُ المتقدمين فبات بمكة مع قوم فهمَّ بمعصية، فسمع هاتفًا يهتف يقول: ويلك، ألم تحج؟ فعصمه الله مما هم به.
_________
(١) أخرجه أحمد في "الزهد" ص ١٤٢ - الريان.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٩/ ١٤٣) بإسناد مسلسل بالضعفاء، وسبق أن نقلت كلام الشيخ شاكر ﵀ في التعليق عَلَى إسناد العوفيين هذا في تخريجي لـ "اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل" للتميمي ص ٤٣ - ٤٥ طبعة دار بلنسية بالرياض فانظره فإنَّه نفيس.
3 / 106