به في المواضع التي يحسن فيها ذكر التفصيل، فإن لكل واحد من الإيجاز والإطناب موضعا يكون به أولى من الآخر، لأن الحاجة إليه أشد، والاهتمام به أعظم، فأما التطويل فعيب وعي، لأنه تكلف فيه الكثير فيما يكفي منه القليل، فكان كالسالك طريقا بعيدا جهلا منه بالطريق القريب. وأما الإطناب فليس كذلك لأنه كمن سلك طريقًا بعيدا لما فيه من النزهة الكثيرة والفوائد العظيمة، فيحمل في الطريق إلى غرضه من الفائدة على نحو ما يحصل له بالغرض المطلوب.
والإيجاز على وجهين: أحدهما إظهار النكتة بعد الفهم لشرح الجملة، والآخر إحضار المعنى بأقل ما يمكن من العبارة، والوجه الأول يكون كثيرا في العلوم القياسية، وذلك أنه إذا فهم شرح الجملة كفى بعد ذلك حفظ النكتة لأنها تكون حينئذ دالة ومغنية عن التعلق بها في نفسها، لتعلق النكتة بها، فهذا الضرب من الإيجاز لا يكون إلا بعد أحوال متقررة من الفهم لشرح الجملة فحينئذ تكون النكتة مغنية، وأما الوجه الآخر فمستأنف لم يقرر له حال خاصة يكون جارا لها من حيث تعلق بها من فهم كيف وجه التعلق فيهما.
والإيجاز على ثلاثة أوجه: الإيجاز بسلوك الطريق الأقرب دون الأبعد، وإيجاز باعتماد الغرض دون ما تشعب، وإيجاز بإظهار الفائدة بما يستحسن دون ما يستقبل، لأن المستقبل ثقيل على النفس؛ فقد يكون للمعنى طريقان أحدهما أقرب من الآخر كقولك: تحرك حركة سريعة - في موضع أسرع وقد يكتنف الغرض شعب كثيرة كالتشبيب قبل المديح، وكالصفات
1 / 79