النكت على صحيح البخاري
تأليف
الحافظ أبي الفضل ابن حجر العسقلاني
ويليه
التجريد على التنقيح
«تجريد وتعليقات ابن حجر على شرح صحيح البخاري للزركشي»
جمع
أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوي
تحقيق
أبي الوليد هشام بن علي السعيدني
أبي تميم نادر مصطفى محمود
[الجزء الأول]
অজানা পৃষ্ঠা
حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة
الطبعة: الأولى، ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م
رقم الْإِيدَاع: ٢١٥١٦/ ٢٠٠٥
المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع
* الإدارة وَالْفرع الرئيسي:
٣٣ ش صَعب صَالح - عين شمس الشرقية - الْقَاهِرَة - جمهورية مصر الْعَرَبيَّة
ت وفاكس: ٢٤٩٩١٢٥٤ - ٢٤٩٠٠٦٠٦ - ٢٤٩٠٠٨٠٨
* فرع الْأَزْهَر: ١ ش البيطار خلف جَامع الْأَزْهَر - درب الأتراك - ت: ٥١٠٨٠٠٤
E-mail: islamya ٢٠٠٥@hotmail.com
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة التحقيق
إنَّ الْحَمد لله نَحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [النساء: ١].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أمَّا بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور مُحدثاتها، وكل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فنقدم لإخواننا من طلبة العلم وللقارئ الكريم دُرَّتيْنِ من مكنون تراثنا الإسلامي الأصيل، نقدمهما مطبوعتين لأول مرة بعد أن ظلتا حبيستين في خزائن المخطوطات لمدة طويلة من الزمن.
الدرة الأولى: هي النكت للحافظ ابن حجر العسقلاني.
وهذه النكت ليست بنكته المشهورة على مقدمة ابن الصلاح، ولكنها تلخيصٌ
1 / 5
لكتابه الشهير "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (*)، وهو كتاب غني عن التعريف.
فقد قام الحافظ ﵀ في هذه النكت بتلخيص هذا الكتاب العظيم وتقريبه في صورة تُسَهِّل على متناوله.
غير أنه للأسف الشديد لم يتمه ﵀، حيث قام بتلخيص المقدمة الموسومة بـ"هدي الساري"، ثم لَخَّص كتاب بدء الوحي، ثم كتاب الإيمان، ثم كتاب العلم إلى الحديث العشرين بعد المائة الأولى.
وقد يبدو لأول وهلة عدم فائدة وأهمية هذا التلخيص لأن أصله وهو "فتح الباري" موجود بين أيدي الناس بكثرة، حيث يمكن أن يُقال: إنه لا يخلو منه بيت مسلم، ولسبب آخر هو عدم تمام مادة هذا الكتاب.
لكن عند تَفَحُّصِ الكتاب تبدو فيه عدة مميزات ليست موجودة في أصله الكبير:
منها: أنه اختصر كثيرًا من الضوابط المتعلقة بأسماء الرواة التي في مقدمة "فتح الباري" نعني: "هدي الساري"، بحيث نجده قد لَمَّ شعث هذه الضوابط بأسلوب جيد ومفيد.
ومنها أيضًا: أنه ذكر لنفسه بعض الأسانيد التي يروي بها صحيح البخاري ليست موجودة في فتح الباري، فأفاد بذلك زيادة بعض الطرق له إلى الصحيح.
وكذلك: نَجد لابن حجر بعض المباحث التي تتعلق بصحيح البخاري غير موجودة في أصله، وخاصة في كلامه الذي يتعلق بصحيح البخاري وشرط البخاري فيه.
وكذلك أيضًا: هناك بعض تغييرات لبعض اجتهاداته قد غير فيها ما كان يذهب إليه بأن تراجع عنه إلى غيره، مثل ما نجد عند الحديث رقم (٤٠، ٤٥) مثلًا.
فضلًا عن: أن هذا المختصر يمتاز بحذف لكثير من الاستطرادات الغير مفيدة بالنسبة للكثير من القراء، وهي السمة التي تُمَيِّز المختصرات عن أصولها.
_________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كتاب النكت هو عبارة عن اختصار لشرح ابن حجر الكبير على صحيح البخاري، وهو الذي أشار إليه بقوله في مقدمة النكت: "وقد كنت شرعت في شرح كبير، استفتحته بمقدمة تحوي غالب مقاصد الشرح، فلما أتقنتها وحررتها، وكتبت من الشرح مواضع هذبتها ومواضع سودتها، رأيت الهمم قصيرة، والبواعث على تحصيل المطولات يسيرة ... ".
وقال السخاوي بعد ذكره لفتح الباري ومقدمته ضمن مصنفات الحافظ ابن حجر: (وكان عقِبَ فراغ المقدمة شرع في شرحٍ أطال فيه النَّفَس، وكتب منه قطعةً تكون قدر مجلد، ثم خشي الفُتور عن تكميله على تلك الصفة، فابتدأ في شرح متوسط، وهو "فتح الباري" الماضي شرحه). [الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر (٢/ ٦٧٥، ٦٧٦)].
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبي إسحاق في كتاب العلل، واستوفيته في مقدمة الشرح الكبير ...). [فتح الباري (١/ ٢٥٨)].
ومما يدل على أن الشرح الكبير غير فتح الباري، ما قاله الحافظ ابن حجر في كتاب النكت على صحيح البخاري (١/ ١٧١): (والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا: أولها: الجنون، وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة، جاء مصرحا به في عدة طرق أوضحتها في الشرح الكبير، وأبطله أبو بكر ابن العربي، وحق له أن يبطل ...).
وبالرجوع إلى الفتح تجد النص كما هو في النكت دون توضيح أو تفصيل، حيث قال: (والخشية المذكورة اختلف العلماء في المراد بها على اثني عشر قولا: أولها: الجنون، وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة، جاء مصرحا به في عدة طرق، وأبطله أبو بكر ابن العربي، وحق له أن يبطل ...).
وكانت عادة المحقق أن يشير في كل إحالة من الحافظ بمزيد من التفصيل على شرحه الكبير، أن يذكر كلام الحافظ في الفتح حول هذا المعنى، لكنه لم يحل في هذا الموضع وموضع آخر؛ إذ لم يجد تفصيلا وتوضيحا للحافظ، والله المستعان.
ومما يدل على أن النكت مختصر من الشرح الكبير، وليس من فتح الباري، قول السيوطي: (ومن تصانيفه "فتح الباري شرح البخاري"، ومقدمته تسمى "هدى الساري". وشرحٌ آخر أكبر منه، وآخر ملخص منه لم يتما، وقد رأيت من هذا الملخص ثلاث مجلدات من أوله). [نظم العقيان في أعيان الأعيان (ص ٤٦)].
وكذلك فإن الحافظ ابن حجر قد أنكر إمكانية تلخيص فتح الباري، نقله السخاوي في الجواهر والدرر (٢/ ٧٠٨)، حيث قال بعد ذكر بعض محاولات اختصار الكتاب: (ولقد سمعت مصنِّفَه صاحبَ الترجمة ﵀ مرارًا يُنكر إمكان اختصاره، ويقول: ما أعلمُ فيه شيئًا زائدًا عن المقصود. وأقول: إن ذلك بالنسبة لما لم يقع منه السَّهوُ في تكريره، حيث يكرر الأحاديث مما لا يتعلَّق بالأحكام غالبًا، ولكن صاحب البيت أدرى بالذي فيه).
وبقي أن نذكر أمرين:
الأول: أن هدي الساري هو مقدمة الشرح الكبير كذلك.
الثاني: أن محقق كتاب الجواهر والدرر ذكر أنه وجد في أحد حواشي نسخ الكتاب ما يلي: في هامش (ب) ما نصه: أقول: مما لم يذكره المؤلف كتاب النكت على الجامع الصحيح. رأيت منه مجلدة من أوله إلى آخر باب حفظ العلم وعليها خط الجلال السيوطي، وأنه لخصها من شرحه الكبير المسمَّى بفتح الباري. [هامش (١) من (٢/ ٦٩٦)].
قلت: وبمراجعة النسخة الخطية (ق ١٦١/ أ) وجدتها كما أورده المحقق، والخط متأخر جدا، ليس بالقديم، وهو رأي صاحب التعليق، كما أننا بينا فيما تقدم أن الشرح الكبير غير فتح الباري، وأن السيوطي ﵀ نفسه أنه مختصر من الشرح الكبير، ولم يقل فتح الباري!
1 / 6
ومهما يكن من أمر؛ فإنه من المفيد أن نرى طريقة أحد العلماء المتقدمين في طريقة اختصاره لكتاب كبير هو من تأليفه، فهو المؤلف للأصل وهو المختصر له في نفس الوقت، وبالتالي فإن هذه النكت تعد نموذجًا يحكي طريقة علماء هذا العصر في طريقتهم في التلخيص، وخاصة عندما يتناولون مؤلفاتهم أنفسهم بالتلخيص.
أما الدرة الثانية: فهي تعليقات الحافظ ابن حجر العسقلاني على شرح صحيح البخاري لبدر الدين الزركشي المسمى بـ"التنقيح".
وهذه التعليقات قد قام الحافظ السخاوي تلميذ ابن حجر العسقلاني بتجريدها من على حواشي نسخة الحافظ ابن حجر للتنقيح، وقام بتدوينها مجردة في هذا الكتاب.
وهذه الدرة يبرز فيها علم هذا الإمام الجهبذ بوضوح، حيث تناول الكتاب بالتصويب والترجيح، والتعديل والتنقيح، والتضعيف والتصحيح لِمَا يراه من هنات قد وقعت للبدر الزركشي، فهو يعدُّ سدًّا لِمَا يراه من خلل، وإزالة ما به من عيب، وتشييد للبناء بتحسينه وتزيينه.
رحم الله الجميع وحشرنا في الجنة معهم.
وبسبب تعلق كتاب النكت وكتاب تعليقات ابن حجر بأصل واحد هو صحيح البخاري.
فالأول: ملخص لشرح كبير لصحيح البخاري.
والثاني: تعليق على شرح موجز لصحيح البخاري.
وأيضًا كلا الكتابين متعلق بمؤلف واحد هو الحافظ ابن حجر العسقلاني.
رأينا دمج الكتابين في كتاب واحد لوحدة مُتَعَلَّقَيْهِما، عسى الله أن ينفع بهما هذا؛ ولتمام الفائدة رأينا تقديم الكتاب ببيان لبعض اجتهادات ابن حجر التي رجع عنها وتبنى رأيا مخالفًا لِمَا كان عليه في "فتح الباري"، ثم أتبعناه برسم لشجرة أسانيد ابن حجر لصحيح البخاري، حتى تكون واضحة وجلية لمن أراد الاستفادة منها.
1 / 7
ثم تلونا ذلك بترجمة مقتضبة لكل من الحافظ ابن حجر العسقلاني، وبدر الدين الزركشي، والإمام السخاوي عليهم جميعا رحمة الله تعالى.
ثم ختمنا المقدمة بذكر وصف النسخ التي اعتمدنا عليها في التحقيق ثم دعمها ببعض الصور الضوئية لها.
وختامًا؛ نسأل الله العلي العظيم الهدى والتوفيق والسداد.
ربنا هب لنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
المحققان
أبو الوليد هشام بن علي السعيدني
أبو تميم نادر مصطفى محمود
1 / 8
تراجعات ابن حجر عن بعض اجتهاداته في فتح الباري
نجد الحافظ ابن حجر العسقلاني ﵀ قد غَيَّر بعضَ آرائه في بعض مواضعَ من شرحه الكبير "فتح الباري"، وهذا لا يعيب الرجل، بل يرفع قدره ويعلو شأنه بذلك، لأنه يدل على دين وورع، وبُعْدٍ عن العُجْب والكِبْرِ، فالرجل يسير مع الدليل حيث كان، فإذا كان على رأي ثم بدا له أن الصواب في غيره عدل إليه ﵀، نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه.
هذا، والذي تبين لنا تراجعه فيه هُما موضعان فقط، وذلك لكون النسخة كما أسلفنا غير تامة، ولكن له مواضع أُخَر قد ثبت على رأيه في النكت كما في فتح الباري مع أنه في موضع آخر من فتح الباري متأخر عن ذلك الموضع قد غَيَّر فيه اجتهاده ونظره.
وذلك ليس بالضروري أن يكون في النكت رجع إلى رأيه الأول الذي في نفس الموضع من "فتح الباري"؛ لأنه من الممكن أن يكون الحافظ قد ذهل عما كتبه في آخر "فتح الباري"، ولكن للفائدة ذكرنا هذه المواضع وهي ثلاثة:
وها نحن نذكر تلك المواضع الخمسة للقارئ الكريم.
أ) تراجعات ابن حجر في "النكت" عن بعض اجتهاداته في "فتح الباري":
الموضع الأول:
عند الحديث رقم (٤٠) من "صحيح البخاري" (كتاب: الإيمان، باب: الصلاة من الإيمان).
1 / 9
قال ابن حجر عند قول البخاري: "فخرج رجل": "هو عباد بن بشر بن قيظي كما رواه ابن منده من حديث طويلة بنت أسلم، وقيل: هو عبادة بن نهيك -بفتح النون وكسر الهاء-، وأهل المسجد الذين مر بهم، قيل: هم من بني سلمة، وقيل: هو عباد بن بشر الذي أخبر أهل قباء في صلاة الصبح -كما سيأتي بيان ذلك في حديث ابن عمر- حيث ذكره المصنف في كتاب الصلاة، ونذكر هناك تقرير الجمع بين هذين الحديثين وغيرهما، مع التنبيه على ما فيهما من الفوائد إن شاء الله تعالى. انتهى
وبنحو ذلك الكلام قال ابن حجر في مقدمته "هدي الساري"، حيث قال: "قال ابن عبد البر: اسم الرجل: عباد بن نهيك، وقيل: ابن بشر بن قيظي الأشهلي، وهذا أرجح، رواه ابن أبي خيثمة والفاكهي وابن منده بسند حسن، وأهل المسجد بنو حارثة.
فقد رجع ابن حجر ﵀ في "النكت" عن ذلك حيث قال: "هو عباد بن نهيك -بفتح النون وكسر الهاء-، وأهل المسجد الذين مر بهم، قيل: هم من بني سلمة، وهذا غير عباد بن بشر الذي أخبر أهل قباء في صلاة الصبح -كما سيأتي بيان ذلك في حديث ابن عمر- حيث ذكره المصنف في كتاب الصلاة. . . ." انتهى
وجدير بالذكر أن ابن حجر قد ذكر كلامًا غير هذا في ذلك الرجل نفسه في آخر شرحه لصحيح البخاري في "فتح الباري"، وذلك في (كتاب أخبار الآحاد، باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد. . . .) برقم (٧٢٥٢)، حيث قال ﵀: ". . . . حديث البراء بن عازب في تحويل القبلة أيضًا، وقد تقدم شرحه في كتاب العلم، وفي أبواب استقبال القبلة أيضًا، وبينت هناك أن الراجح أن الذي أخبر في حديث البراء بالتحويل لم يعرف اسمه". انتهى
وهذا الكلام الأخير فيه نظر من ثلاثة أوجه:
الأول: أن حديث البراء لم يرد في كتاب العلم، بل جاء في كتاب الإيمان، ولكن الذي ورد في كتاب العلم هو حديث ابن عمر ﵄، حيث ذكره البخاري في:
1 / 10
"باب: ذكر العلم والفتيا في المسجد"، وكذلك في "باب: من أجاب السائل بأكثر مما سأله"، ولفظ الحديث: أن رجلًا سأله: ما يلبس المحرم؟ فقال: "لا يلبس القميص، ولا العمامة، ولا السراويل. . . ." الحديث.
الثاني: أن الحديث الذي يقصده ابن حجر غير هذا الحديث الذي عزى إليه؛ لأنه يقصد حديث ابن عمر في تحويل القبلة، وحديث ابن عمر في تحويل القبلة لم يرد في كتاب العلم أصلًا، بل ورد في (كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القبلة) برقم (٤٠٣)، أما حديث ابن عمر الذي في كتاب العلم فهو في لباس المحرم.
الثالث: أن الذي رجحه هنا من أن هذا الرجل لم يقف على اسمه غير صحيح؛ بدليل أنه عينه في "فتح الباري" في (كتاب الإيمان) وكذلك في (أبواب استقبال القبلة)، وكذلك عينه بعد أن غير اجتهاده فيه في "النكت".
والسبب في ذلك، أن الحافظ ﵀ قد اختلط عليه الحديثان، حيث إنه لم يقف على اسم الرجل في حديث ابن عمر، وقد عينه في حديث البراء، فاختلط عليه الحديثان؛ لأن البخاري ذكر حديث ابن عمر في (كتاب أخبار الآحاد) ثم ذكر خلفه حديث البراء، فاشتبه على الحافظ الحديثان.
الموضع الثاني:
عند الحديث رقم (٤٥) من "صحيح البخاري" (كتاب الإيمان، باب: زيادة الإيمان ونقصانه)، قال ابن حجر ﵀ عند قول البخاري ﵀: "أن رجلًا من اليهود": "هذا الرجل هو كعب الأحبار، بين ذلك مسدد في مسنده، والطبري في تفسيره، والطبراني في "الأوسط" كلهم من طريق رجاء بن أبي سلمة عن عبادة بن نُسَي -بضم النون وفتح المهملة- عن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب عن كعب. . . .". انتهى
فعندما تعرض للحديث في النكت غيّر اسم إسحاق بن خرشة، فقال: "عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب عن كعب. . . .". انتهى
وما ذكره في "النكت" هو الصواب في اسم الراوي.
1 / 11
والسبب في الخطأ الأول: أن الحديث قد وقع عند الطبري في "تفسيره" عند الآية الثالثة من سورة المائدة من طريق ابن عُلية: "عن رجاء بن أبي سلمة، عن عبادة بن نُسي قال: حدثنا أميرنا إسحاق -قال أبو جعفر: إسحاق هو ابن خرشة- عن قبيصة قال: . . . ." فذكر الحديث.
فذكر ابن حجر العسقلاني ﵀ في "فتح الباري" الحديث كما وقع عند ابن جرير الطبري ﵀، وهو خطأ كما ذكرنا.
ولعل السبب في ذلك الخطأ؛ أن الاسم عند ابن جرير الطبري ﵀ قد تصحف إلى "إسحاق عن قبيصة" بدلًا من: "إسحاق بن قبيصة"، أي: تصحفت "ابن" إلى "عن"، فاحتاج ابن جرير الطبري ﵀ إلى تعيين إسحاق هذا، فعرفه بأنه ابن خرشة، وهو تعيين خطأ أيضًا، لأن ابن خرشة الذي يروي عن قبيصة بن ذؤيب اسمه: عثمان بن إسحاق بن خرشة، وليس إسحاق والده هو المراد، ويقال له أيضًا: "عثمان بن خرشة"، وهو راوي حديث أبي بكر الصديق في توريث الجدة.
أمَّا إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب -وهو الاسم الصحيح للراوي- فهو عامل هشام بن عبد الملك على الأردن.
هذا؛ وقد أخرج الحديث على الصواب: الطبراني في "الأوسط" (٨٣٠، ٣٩٠٠)، وكذلك ابن عساكر في "تاريخه" من طريق مسدد بن مسرهد (٨/ ٢٧١).
(ب) تراجعات لبعض اجتهادات ابن حجر العسقلاني ﵀ في مواضع متأخرة من "فتح الباري" نفسه، لم يغير اجتهاده فيها في "النكت"، بل ظلت كما هي، وهي في مواضع أربعة:
الموضع الأول:
عند قول البخاري ﵀: "وجار لي" (كتاب العلم، باب: التناوب في العلم) الحديث رقم (٨٩)، قال ابن حجر ﵀: "هذا الجار هو عتبان بن مالك، أفاده ابن القسطلاني، لكن لم يذكر دليله". انتهى
1 / 12
وكذلك قال الحافظ ﵀ في "النكت" دون تغيير، مع كونه قد غَيَّر اجتهاده في "فتح الباري" نفسه في (كتاب النكاح، باب: موعظة الرجل ابنته لحال زوجها) برقم (٥١٩١)، حيث قال: "واسم الجار المذكور: أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث الأنصاري، سماه ابن سعد من وجه آخر عن الزهري عن عروة، عن عائشة. . . فذكر حديثًا، وفيه: "وكان عمر مؤاخيًا أوس بن خولي، لا يسمع شيئًا إلا حدثه، ولا يسمع عمر شيئًا إلا حدثه"؛ وهذا هو المعتمد، وأما ما تقدم في العلم عمن قال: إنه عتبان بن مالك، فهو من تركيب ابن بشكوال، فإنه جوَّز أن يكون الجار المذكور عتبان؛ لأن النبي ﷺ آخى بينه وبين عمر، لكن لا يلزم من الإخاء أن يتجاورا، والأخذ بالنص مقدم على الأخذ بالاستنباط، وقد صرحت الرواية المذكورة عن ابن سعد أن عمر كان مؤاخيًا لأوس، فهذا بمعنى الصداقة لا بمعنى الإخاء الذي كانوا يتوارثون به ثم نسخ، وقد صرَّح به ابن سعد بأن النبي ﷺ آخى بين أوس بن خولي وشجاع بن وهب، كما صرح به بأنه آخى بين عمر وعتبان بن مالك، فتبين أن معنى قوله: "كان مؤاخيًا" أي: مصادقًا، ويؤيد ذلك أن في رواية عبيد بن حنين: "وكان لي صاحب من الأنصار". انتهى
وبنحو ذلك الكلام ذكر ابن حجر في مقدمته "هدي الساري" أنه أوس بن خولي.
الموضع الثاني:
عند قول البخاري ﵀: "سأله رجل" (كتاب العلم، باب: الغضب في الموعظة والتعلم إذا رأى ما يكره) برقم (٩١)، قال ابن حجر ﵀: "هو عمير والد مالك، وقيل غيره -كما سيأتي في اللقطة-". انتهى
وكذلك قال ابن حجر ﵀ في "النكت" دون تغيير، مع كونه قد غير اجتهاده في "فتح الباري" نفسه، في (كتاب اللقطة، باب: ضالة الإبل) الحديث رقم (٢٤٢٧)، حيث قال: "ثم ظفرت بتسمية السائل، وذلك فيما أخرجه الحميدي والبغوي وابن السكن
1 / 13
والبارودي والطبراني كلهم من طريق محمد بن معن الغفاري، عن ربيعة، عن عقبة بن سويد الجهني، عن أبيه، قال: سألتُ رسول الله ﷺ عن اللقطة، فقال: "عرفها سنة، ثم أوثق وعاءها. . . ." فذكر الحديث، وقد ذكر أبو داود طرفًا منه تعليقًا ولم يسق لفظه.
وكذلك البخاري في تاريخه، وهو أولى ما يفسر به هذا المبهم؛ لكونه من رهط زيد بن خالد. . . .". انتهى
الموضع الثالث:
عند قول البخاري ﵀: "أن خزاعة قتلوا رجلًا من بني ليث عام فتح مكة" (كتاب العلم، باب: كتابة العلم) الحديث رقم (١١٢)، حيث قال ابن حجر ﵀: "أي القبيلة المشهورة، والمراد واحد منهم، فأطلق عليه اسم القبيلة مجازًا، واسم هذا القاتل: خراش بن أمية الخزاعي، والمقتول في الجاهلية منهم اسمه: أحمر، والمقتول في الإسلام من بني ليث لم يسم". انتهى
وكذلك قال الحافظ ﵀ في "النكت" دون تغيير، مع كونه قد غير اجتهاده في "فتح الباري" نفسه في (كتاب الديات، باب: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين) الحديث رقم (٦٨٨٠)، حيث ﵀: "وقد ذكرت في كتاب العلم أن اسم القاتل من خزاعة: خراش -بمعجمتين- ابن أمية الخزاعي، وأن المقتول منهم في الجاهلية كان اسمه: أحمر، وأن المقتول من بني ليث لم يسم، وكذا القاتل، ثم رأيت في السيرة النبوية لابن إسحاق أن الخزاعي المقتول اسمه: منبه، قال ابن إسحاق في المغازي: "حدثني سعيد بن أبي سندر الأسلمي عن رجل من قومه، قال: كان معنا رجل يقالُ له: أحمر، كان شجاعًا، وكان إذا نام غط، فإذا طرقهم شيء صاحوا به، فيثور مثل الأسد، فغزاهم قوم من هذيل في الجاهلية، فقال لهم ابن الأثوع -وهو بالثاء المثلثة والعين المهملة-: لا تعجلوا حتى أنظر، فإن كان أحمر فيهم فلا سبيل إليهم، فاستمع، فإذا غطيط أحمر، فمشى إليه حتى وضع السيف في صدره فقتله، وأغاروا على الحي، فلما كان عام الفتح، وكان الغد من يوم الفتح، أتى ابن الأثوع الهذلي حتى دخل مكة
1 / 14
وهو على شركه، فرأته خزاعة، فعرفوه، فأقبل خراش بن أمية فقال: أفرجوا عن الرجل، فطعنه بالسيف في بطنه، فوقع قتيلًا، فقال رسول الله ﷺ: "يا معشر خزاعة! ارفعوا أيديكم عن القتل، ولقد قتلتم قتيلًا لأدينه".
قال ابن إسحاق: "وحدثني عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب قال: لَمَّا بلغ النبي ﷺ ما صنع خراش بن أمية قال: "إن خراشًا لقتال" يعيبه بذلك، ثم ذكر حديث أبي شريح الخزاعي كما تقدم، فهذه قصة الهذلي.
وأما قصة المقتول من بني ليث فكأنها أخرى، وقد ذكر ابن هشام أن المقتول من بني ليث اسمه جندب بن الأدلع، وقال: بلغني أن أول قتيل وداه رسول الله ﷺ يوم الفتح جندب بن الأدلع، قتله بنو كعب، فوداه بمائة ناقة، لكن ذكر الواقدي أن اسمه: جندب بن الأدلع، فرآه جندب بن الأعجب الأسلمي، فخرج يستجيش عليه، فجاء خراش فقتله، فظهر أن القصة واحدة، فلعله كان هذليًّا حالف بني ليث أو بالعكس، ورأيت في آخر الجزء الثالث من فوائد أبي علي ابن خزيمة أن اسم الخزاعي القاتل: هلال بن أمية، فإذا ثبت فَلَعَلَّ هلالًا لَقَبُ خِرَاشٍ، والله أعلم. انتهى
ونحو ذلك الكلام ذكره ابن حجر في مقدمته "هدي الساري" حيث قال: "المقتولان هُما منبه الخزاعي، ذكره ابن إسحاق، وقتله بنو ليث، وجنيدب بن الأكوع، ذكره ابن هشام، وقتله بنو كعب وهم خزاعة، وعن ابن إسحاق أن خراش بن أمية الخزاعي قتل ابن الأكوع الهذلي بقتيل في الجاهلية يقال له: أحمر، فقال النبي ﷺ: "يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل" الحديث، روينا في آخر الجزء من فوائد أبي علي ابن خزيمة أن اسم القاتل: هلال بن أمية، والله أعلم. انتهى
الموضع الرابع:
عند قول البخاري ﵀: "تزوج ابنة لأبي إهاب" (كتاب العلم، باب: الرحلة في المسألة النازلة) برقم (٩٨)، قال ابن حجر ﵀: "اسمها غنية بفتح المعجمة وكسر النون بعدها تحتانية مشددة، وكنيتها أم يحيى كما يأتي في الشهادات". انتهى
1 / 15
وكذلك قال ابن حجر ﵀ في "النكت" دون تغيير، مع كونه قال في كتاب الشهادات "فتح الباري" نفسه في (باب: الإماء والعبيد) برقم (٢٦٥٩) قال: "وقد تقدم في العلم تسمية أم يحيى بنت أبي إهاب وأنها غنية بفتح المعجمة وكسر النون بعدها تحتانية مثقلة، ثم وجدت في النسائي أن اسمها زينب، فلعل غنية لقبها، أو كان اسمها فغير بزينب كما غُير اسم غيرها. انتهى
1 / 16
أسانيد الحافظ ابن حجر العسقلاني إلى صحيح الإمام البخاري
البخاري
الفربري
المستملي
عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ... أبو ذر الهروي
ابن حزم ... أبو مكتوم ابن أبي ذر الهروي
شريح بن محمد ... أبو الحسن علي بن حميد الطرابلسي
أبو القاسم أحمد بن بقي ... أبو القاسم ابن أبي حرمي الكاتب
أبو علي ابن أبي الأحوص ... أبو أحمد إبراهيم الطبري
أبو حيان الغرناطي ... أبو محمد عبد الله بن محمد النيسابوري
أبو حيان محمد بن حيان ... ابن حجر العسقلاني
ابن حجر العسقلاني
1 / 17
البخاري
الفربري
أبو زيد محمد المروزي
الأصيلي ... أبو نعيم الأصبهاني ... أبو الحسن القابسي
أبو شاكر عبد الواحد ... الحسن بن أحمد المقرئ ... أبو القاسم حاتم التميمي
أبو علي الجياني ... أبو جعفر محمد ... أبو علي الجياني
عبد الله بن محمد الباهلي ... علي بن أحمد بن عبد الواحد ... عبد الله بن محمد الباهلي
أبو محمد عبد الله الديباجي ... عمر بن حسن المراغي ... أبو محمد عبد الله الديباجي
جعفر بن علي المقرئ ... ابن حجر العسقلاني ... جعفر بن علي المقرئ
يحيى بن محمد بن سعد ... يحيى بن محمد بن سعد
أبو علي محمد المهدوي ... أبو علي محمد المهدوي
ابن حجر العسقلاني ... ابن حجر العسقلاني
1 / 18
البخاري
الفربري
أبو علي ابن السكن
أبو محمد عبد الله بن محمد الجهني
أبو عمر أحمد بن الحذاء ... أبو عمر يوسف بن عبد البر
أبو علي الجياني
عبد الله بن محمد الباهلي
أبو محمد عبد الله الديباجي
جعفر بن علي المقرئ
يحيى بن محمد بن سعد
أبو علي محمد المهدوي
ابن حجر العسقلاني
1 / 19
البخاري
الفربري
أبو علي الشبوي
عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ... أبو العباس الوليد الغمري
ابن حزم
شريح بن محمد
أبو القاسم أحمد بن بقي
أبو علي ابن أبي الأحوص
أبو حيان الغرناطي
أبو حيان محمد بن حيان
ابن حجر العسقلاني
1 / 20
البخاري
الفربري
أبو محمد ابن حموية السرخسي
أبو ذر الهروي
أبو مكتوم ابن أبي ذر الهروي
أبو الحسن علي بن حميد الطرابلسي
أبو القاسم ابن أبي حرمي الكاتب
أبو أحمد إبراهيم الطبري
أبو محمد عبد الله بن محمد النيسابوري
ابن حجر العسقلاني
1 / 21