فأما استحقاق الأنبياء صلوات الله عليهم للنبوة فهو بالطاعة منهم لله، والاجتهاد منهم في مرضات الله، والنصح لعباد الله، فإذا علم الله من ضميرهم أنهم إن بعثوا كانوا كذلك، وإن أمروا قاموا لله بذلك، أمرهم سبحانه حينئذ ونهاهم، وبعثهم واجتباهم. ثم أبان معهم العلم والدليل الذي يدل على أنهم رسل مبعوثون برسالته إلى خلقه، مبشرين ومنذرين، مخوفين لعذابه، مبشرين بثوابه، هادين إلى طرق سبله، { ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم } [الأنفال: 42]. وعلم الأنبياء ودليلها: فهو ما جاءوا به من المعجزات، وأظهروه للخلق من العلامات الشاهدات على أنهن من عند الرحمن، اللواتي لا ينالهن ولا يطيق إيجادهن أحد من الإنسان؛ مثل ما جاء به موسى عليه السلام من إدخاله يده في جيبه فخرجت بيضاء من غير سوء، ومثل ما جاء به من انقلاب العصا إلى خلق حية، وغير ذلك من باقي التسع الآيات، وغير ذلك مما كان يأتي به من الدلايل المعجزات والعلامات؛ ومثل ما جاء به عيسى صلى الله عليه من التكلم في المهد، ومن إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله، وغير ذلك من علاماته، مما نكره التطويل بذكرها، وقد يجزي ذكر قليلها عن كثيرها؛ ومثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم من معجزاته الهائلات، وأموره الناطقات، وأسبابه الشاهدات بالنبوة والرسالات، مثل: مجي الشجرة إليه ورجوعها إلى موضعها، وإنباء الناس بما في صدورهم، وإعلامهم بما في ضميرهم، وذلك من إنباء الله له بذلك وإعلامه به إياه، ومثل ما كان من فعله في شاة أم معبد، وماكان منه من الفعل في التمرات من غداء جابر بن عبدالله، وذلك أنه أخذ كفا من تمر فوضعه في وسط ثوب كبير، ثم حركه ودعا فيه، فزاد وربا حتى امتلأ الثوب تمرا، وما كان منه في عشاء جابر بن عبدالله، صاع من شعير وعناق صغيرة أكل منها ألف رجل، وما كان منه في الوشل الذي ورده هو والمسلمون في غزوة تبوك، فوضع يده تحت الوشل، فوشل فيها من الماء ملؤها، ثم ضربه ودعا فيه، فانفجر بمثل عنق البعير ماء، فشرب العسكر كله معا، وتزودوا ما شاءوا من الماء، وغير ذلك مما يكره التطويل من معجزاته، أنه مفهوم معروف عند أهل العلم، فكانت هذه المعجزات مع ما ذكرنا من أسباب الاستحقاق من علم النبؤة والدليل على نبوة الأنبياء وبعث الله لهم في البرية تبارك وتعالى.
পৃষ্ঠা ৫৯৩