ثم قرأ المحدثون آثاره الأدبية وما كتب عن الشعر وفنونه وعن البلاغة وضروبها وعن الخطابة وأنواعها ، فاستكشفوا منه رجلا آخر جمع إلى إتقان البحث الفلسفي والسياسي والخلقي إتقان النقد الأدبي.
ولم يكتف أدباء القرن السابع عشر بإكبار هذا الأديب الناقد والإعجاب به، بل اتخذوا ما وضع من أصول النقد البياني ومن القواعد الفنية في الشعر وضروبه وفي الخطابة وفنونها أصولا لهم زعموا أن ليس إلى تعدي حدودها من سبيل.
ثم لم يلبث البحث أن أظهر من آثار أرسطاطاليس شيئا جديدا هي كتبه التاريخية التي ضاع أكثرها، ولم يبق لنا منها إلا الشيء القليل، فعرفنا من أرسطاطاليس الفيلسوف الخلقي السياسي الأديب، عرفنا منه مؤرخا ليس كغيره من المؤرخين.
ولو أن هنالك فرعا من فروع العلم أو ضربا من ضروب الأدب الذي عرفه القدماء غير ما قدمنا لكان من الجائز أن ننتظر أن يرشدنا البحث والتنقيب يوما من الأيام إلى مقدرة جديدة لأرسطاطاليس أو إلى ناحية جديدة من نواحيه لم نكن نعرفها من قبل.
ومن يدري؟ لعلنا نعلم في يوم من الأيام أن الرجل قد حاول التصوير أو النقش أو نحت التماثيل، فلسنا نشك في أنه قد أراد أن يعلم كل شيء، وأن يتقن كل شيء، وأن يكتب في كل شيء، وأنه قد ظفر من هذا كله بأكثر ما كان يريد، فمن الحسن أن ننتهز فرصة نشر كتاب من كتبه وإن كان ضئيلا صغير الحجم لنفصل حياته بعض التفصيل، فإن في الإلمام بها إلماما بشيء غير قليل من حياة اليونان في القرن الرابع قبل المسيح.
كان القرن الرابع قبل المسيح عصر تحول وانتقال للأمة اليونانية خاصة وللأمم التي كانت تسكن حول البحر الأبيض عامة، فبينما كانت القوة السياسية في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن الرابع منقسمة بين اليونان والفرس أخذت في أواخر هذا القرن الرابع تتجزأ وتنتقل، فدالت دولة الفرس وذهب سلطان المدن اليونانية، وأصبح الأمر كله بيد الإسكندر، ثم أخذت دولته تتجزأ من بعده، وأخذ سلطان جديد يظهر قليلا قليلا في إيطاليا وهو سلطان الرومان.
فهذا العصر إذن يمتاز بأنه عصر انحلال سياسي للأمة اليونانية، وبأنه العصر الذي كانت الأمة اليونانية قد وصلت فيه إلى أقصى ما كان يمكن أن تصل إليه من مجد سياسي أو علمي أو فلسفي أو أدبي.
فليس من شك في أن لهذا العصر، عصر الانحلال من جهة والتكون من جهة أخرى أثرا ظاهرا عظيم الخطر في حياة من شهده من الناس، لا سيما إذا كان له قلب ذكي وبصيرة نافذة وطبيعة جيدة قيمة كأرسطاطاليس.
ولد أرسطاطاليس سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قبل المسيح بمستعمرة يونية يقال لها ستاجيرا على ساحل مقدونيا بالقرب من ترافيا.
وكان السلطان اليوناني في ذلك الوقت موضع التنازع بين مدن ثلاث وهي سبارتا وأتينا وطيبة.
অজানা পৃষ্ঠা