: حدثني أبو الحسين ، عبد الله بن أحمد بن عياش القاضي : إن رجلا دامت عطلته ، فزور كتبا عن علي بن محمد بن الفرات ، وهو وزير ، إلى أبي زنبور عامل مصر ، وخرج إليه ولقيه بها . فأنكرها أبو زنبور ، لإفراط التأكيد فيها ، وكثرة الدعاء للرجل ، وأن محله عنده لم يكن يقتضي ذلك الترتيب ، واستراب بالخطاب أيضا . فوصل الرجل بصلة يسيرة ، وأمر له بجراية ، وقال : تأخذها إلى أن أنظر في أمرك . وأنفذ الكتب في خاص كتبه إلى ابن الفرات ، وشرح له الصورة ، وكان فيها : إن للرجل حرمة وكيدة بالوزير ، وخدمة قديمة . قال : فوصلت الكتب إلى أبي الحسن بن الفرات ، وأصحابه بين يديه فعرفهم الصورة ، وعجبهم منها ، وقال : ما الرأي في أمر الرجل ؟ فقال : بعضهم : تقطع يده لتزويره على الوزير . وقال بعضهم : يقطع إبهامه . وقال بعضهم : يضرب ويحبس . وقال بعضهم : يكشف لأبي زنبور أمره ، ويتقدم بطرده ، ويقتصر به على الحرمان مع بعد الشقة . فقال ابن الفرات : ما أبعد طباعكم عن الجميل ، وأنفرها من الحرية ، رجل توسل بنا ، وتحمل المشقة إلى مصر ، وأمل بجاهنا الغنى ، ولعله كان لا يصل إلينا ، ولا حرمة له بنا فيأخذ كتبنا ، فخفف عنا بأن كتب لنفسه ما قدر أن به صلاحه ، ورحل ملتمسا للرزق ، وجعلنا سببه ، يكون أحسن أحواله عند أجملكم محضرا الخيبة ؟ . ثم ضرب بيده إلى الدواة ، وقلب الكتاب المزور ، ووقع عليه بخطه : هذا كتابي ولا أعلم لأي سبب أنكرته . ولا كيف استربت به ، كأنك عارف بجميع من خدمنا في النكبة ، وأوقات الاستتار ، وقديم الأيام ، وقد أحطت علما بجميعهم ، فأنكرت أبا فلان هذا - أعزه الله - من بينهم ، وحرمته بي أوكد مما في هذا الكتاب ، وسببه عندي أقوى مما تظن ، فأجزل عطيته ، وتابع بره ووفر حظه من التصرف فيما يصلح له ، وافعل به واصنع ، وأصدر الكتاب في الحال . فلما كان بعد مدة طويلة ، دخل عليه رجل جميل الهيئة ، حسن الزي والغلمان ، فأقبل يدعو له ، ويبكي ، ويقبل الأرض بين يديه ، وابن الفرات لا يعرفه ، ويقول : يا بارك الله عليك - وكانت هذه كلمته - ما لك ؟ . فقال له : أنا صاحب الكتاب المزور إلى أبي زنبور ، الذي حققه تفضل الوزير ، فعل الله به وصنع . قال : فضحك ابن الفرات ، وقال : فبكم وصلك ؟ . قال : وصل إلي من ماله ، قسطه لي ، ويتصرف صرفني فيه ، عشرون ألف دينار . قال ابن الفرات : الحمد لله ، الزمنا ، فإننا ننفعك بأضعافها . قال : فلزمه وفاتشه ، فوجده كاتبا ، فاستخدمه ، وأكسبه مالا عظيما ، وصار ذلك سببا لحرمة الرجل به .
পৃষ্ঠা ৩৬