زعموا أن ملكا من ملوك الصين أمر أن يعرض أصحاب الحرف والملكات مخترعاتهم ومجهوداتهم على باب قصره ليكافئ المجيد منهم، وبينا هو ذات يوم يفحص تلك المعروضات استوقف نظره جمال لوحة مصورة، فأمر أن يمثل صاحبها بين يديه ليكافئه على مهارته في النقش، فلما أن حضر الرجل عرض الملك اللوحة على جمع من أهل النظر ليحكموا فيها، فاستحسنوها كلهم وأشاروا بإجازة المصور، إلا رجلا حاذقا قال: إن بالصورة عيبا وتكلفا لا ينطق على الطبيعة، فسئل عنه فقال: صور الرجل عصفورا على إحدى سنابل القمح المرسومة في اللوحة، ولكنه رسم السنبلة قائمة مع أنها ضئيلة، ولو اعتلاها عصفور لمالت كل الميل، فرأى الملك صدق رأيه وأخرج المصور بخفي حنين، هذا مثل ضربته لقبح التكلف وحلاوة البساطة، ولكننا - مع الأسف - نسمع الزوجة عندنا تقول لزوجها: يا سيدي، أو يا أفندي، وهو يناديها بقوله: «يا هانم»، كأنهما غريبان بعضهما عن بعض، وما اثنان أحق بزوال الكلفة بينهما من الزوجين، المطلع أحدهما على سر الآخر، المشرف على نفس صاحبه، ولو اقتصر الأمر على النداء لقلنا: بعض الشر أهون من بعض، ولكنك ترى الرجل يرائي في حديثه مع امرأته ويطريها بمحاسن ليست بها، فما أكذبه وما أكذبها! إذ تغش نفسها وإذ تتكلف له في كل شيء حتى لون وجهها فتصبغه وتغيره، وعذرها أنها لو وثقت من رضاه عنها، وهي في صورتها الفطرية لما ظهرت له متكلفة.
أعرف نساء وأسمع عن أخريات، تظل إحداهن واجمة أمام بعلها تخطئها الكلمة إذا نطقت، وتتعثر إذا مشت، وتكسو وجهها الصفرة إذا سمعت صوته، «وتعروها لذكره رعدة» فيا سبحان الله! أي سعادة في تلك العيشة النكدة، عيشة الخوف والوجل؟! إن الزوجة مهما كان الرجل مهيبا شجاعا ليست موضعا لإظهار بسالته وقدرته على سحق البشر! ويقول العامة في أمثالهم: «السبع لا يأكل أنثاه.» وهو مثل من الحكمة بمكان، وحبذا لو اقتدى به ساداتنا المتجبرون، وحسبهم شرفا أن يقال إنهم كالليوث، وإلا يصدق فيهم قول الشاعر: «أسد علي وفي الحروب نعامة.» فعندهم مواطن عدة لإظهار شجاعتهم، فليتشجعوا لها وليتركونا.
تعجبني طريقة العرب والفلاحين والفرنجة في معاملة أزواجهم، ينادي الرجل زوجته باسمها وتناديه باسمه، تشاركه في الراحة والتعب وتقاسمه الطعام والشراب، إذا غضب عليها أظهرت له في مظهر الشمم والإباء، فإن حاسنها حاسنته، وإن التوى لم تقصر هي في كيل الصاع بالصاع.
أما طبقتنا نحن نساء الحضر في مصر فلا يمثلها في العالم طبقة جمعت بين الأضداد، فبينما نحتكم في الرجل من شأن حلينا وحللنا، حتى نجعل نهاره ليلا أو يذعن لمطالبنا، ترانا نكسر شرة النفس ونحملها من الكلفة وضيمها فوق ما تحتمل، فكم من امرأة تقبل إهانة زوجها لها صاغرة، وكم من أخرى تلدغها أصابعه لدغ الأفعى فتجعل من دمعها المدرار ترياقا لها، ثم لا تلبث أن تستغفره كأنها هي المذنبة، على حد قول الشاعر:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم
وتذنبون فنأتيكم ونعتذر
إنها لو ظهرت له أنها مساوية لما استرضته مخطئا، ولكن هل ظواهر الإنسان دائما بواطنه؟! إنك تحترم الأمير، ولكن لا تعتقد أنه أشرف منك مجدا، ولا أعرق منك في الإنسانية، وتظهر هذه النزعة في كلامك عنه، خصوصا إذا استفزتك إهانة منه فأثارت نفسك عليه.
فالزوجة بتحملها أذى زوجها لا تعتقد أنها أذل منه، ولكنها تخضع صاغرة لاحتياجها إلى إنفاقه عليها، أو تفاديا من أن يقال: طلقت وبانت، أو حبا لأولادها، وخوفا عليهم من أن يذلهم بعدها، وهذا الخضوع - وإن كان يعلمها مزية الصبر الجميل - تكلف منها وتصنع، فالحاجة والحياء يغطيان جراحها ظاهرا فتظهر كأنها اندملت، ولكنها تنغر نغرا صديدا وصدودا.
الكلفة رياء، والرياء سرطان يسطو على النفوس فيصدعها ويصرعها، والزوج القاسي أو المتكبر يفسد أخلاق زوجته بتكبره ويعلمها الصغار والكذب، ومن كانت هذه حالها كيف ينتظر أن تربي أولادها على الفضائل؟! كيف تقول لابنها: لا تكذب، وهي تكذب؟!
أظن أصل تأليه البعول سرى إلينا من ذلك الزمن الذي كانت فيه الجواري حظيات! ولكن إذا جاز أن تقول الجارية لسيدها المالك لها، الباني بها: يا سيدي، فكيف يجوز لحرة أن تدخل نفسها في الرق مختارة والرق أسر فضلا عن أنه غير مباح الآن؟!
অজানা পৃষ্ঠা