وتنبسط الأوراق، ويؤدي فتاء النيل إلى ظهور بلد مخضر كان يلوح هلاك كل شيء عطشا فيه، ولم تكد بضعة أيام تمضي على الوقت الذي كانت الطيور تبل فيه حلوقها في مناقع فقيرة حتى صرت تبصر الإوز البري يرتع
17
ويلعب ويتزاوج ويبني أوكاره هنا، وجميع الحيوانات تشرب وتمشي في الطين وتفوج
18
عن نفسها، ويصحو التمساح ويظن أن كابوسا كان جاثما عليه.
وترى في الهضاب العليا ألوف الناس يغادرون منازلهم ويقصدون الجبال فرارا من ذلك الطوفان، ويقف كل جولان في موسم الأمطار، ولا يستطيع أحد جوب السيول والأنهار، حتى إن الفقير الذي يذهب إلى القرية المجاورة يكون لديه معطف من البردي يلجأ إليه كما يلجأ إلى خيمة عند حدوث طوفان جديد، ويتعذر عبور الأودية، وتكون الخيول العارية من السروج في الأكواخ بجانب أصحابها الذين ينتظرون صابرين، فرحين أحيانا، نهاية المطر عارفين عدم دوامه زمنا طويلا.
والأعراب وحدهم لا يستطيعون أن يتريثوا، فإذا ما عادت إلى البطحاء خضرتها تحولت إلى غدير وارتفع سحاب من الهوام وغدت القطاع في خطر، والجمل الذي هو أوفى رفيق للإنسان يتعثر أيضا، وذلك عندما لا ينتظر سائقه أن تجفف شمس الصباح وجه الأرض بعض الشيء، وترى الإنسان والحيوان يوليان وجوههما شطر البقاع العالية، والنيل يسير أهل البدو، ويهطل جميع مطر العام في ثلاثة أشهر تقريبا ويسفر عن الفيضان.
ويأخذ الناس في النزول بعد أن يبدأ الماء بالانخفاض، ويعد سبتمبر شهر بركة، ففيه تبصر جميع البلد مخضرا، وتصبح الحبوب التي بذرت بالعود في تراب ناعم ذي غرين صالحة للحصاد في بضعة أسابيع.
وفي حوض النيل الأزرق ذي الانحدارات القوية تتعذر الفيضانات القوية المشابهة لفيضانات النيل الأبيض، فقد نحت المطر أخاديد عميقة في الصخور البركانية، ومن هذه الخنادق الضيقة تجري سيول نحو الغرب، نحو النيل، وترى داخل الهضبة العليا متمزقا بأسره، والنهر - في مجراه التحتاني، وحينما يبلغ الحجار الرملية - يشق هذه الحجارة شقا خفيفا ويلاقي الصخور الأبكار، وهنالك، حيث خد
19
অজানা পৃষ্ঠা