النصال وهاجرت إلى المناقع البعيدة المنيعة، ولا يوحي البيض إلى الزنجي بتذوق العمل إلا بإشراكه في ملاذ غير معروفة عنده واجتذابه بذلك إلى مغريات الحضارة، والأبيض - لكي يكسب مالا - يحتاج إلى عمل يدوي رخيص، فتراه يخرج الزنجي من جنة البطالة.
وسهل الرق الذي يعانيه فريق من الناس ذلك العمل، والعمل لا يقوم به النساء وحدهن، بل يقوم به أيضا أسرى الحرب ومن ألم بهم الفقر، ولا تجد بين السود فروقا موغرة لفقدان الملاذ الغالية والثياب الفاخرة والبيوت والأغذية الأنيقة تقريبا ولما لا يبدو به أحد أكثر مما هو عليه خلافا للبيض، وعلى الأبيض يتوقف الربح والخسران، والزنجي - لحرمانه حق الكسل - ينال آلات الخياطة والمصابيح ورحيق الويسكي مقايضة، وهذه هي خاتمة حياته النباتية ونهاية سلامة طويته، وهو يفيق ويسعى ليستقل ويبتغي وجها آخر من الحرية؛ أي حرية ظاهرة كالتي تتمتع بها الأمم المتمدنة، ومن العبث في الساعة الحاضرة أن تجعل دولة أوروبية من الزنجي عبدا، والزنجي يغدو عبدا للحضارة من تلقاء نفسه.
الفصل الخامس عشر
من ينظر إلى أجسامهم يعرف هل هم من الرعاة أو من الفلاحين، والأبيض بجانب الفتى الشلكي يبدو ثقيلا بليدا على الدوام، وارجع البصر إلى الشلكي تجده يذكرك بتمثال باخوس
1
البرونزي بجماله وإغوائه كمراهق إغريقي ومده ساقيه الدقيقتين الطويلتين وسكونه وزهوه وعريه ووضعه جلد حيوان على كتفيه وجلال يديه وشعوره بحسنه، وتظل العروق الجميلة في أفريقية الوسطى كاملة العري كرعيان أوغندة، على حين ترى الزراع الصغار والربعات
2
لابسين ثيابا ولو كانوا من الفقراء.
وما عند الرعاة - الذين لهم رفعة شأن بصبرهم وخلو بالهم - من ظرف طبيعي فقد زاد بعري القبائل النيلية وبفضولهم الذي يتعقبون به حركات البيض، وهم لا يشوهون أنفسهم بقضيب الفم ولا بحلق الأنف، ولا تجد فيهم حتى وشم
3
অজানা পৃষ্ঠা