الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الصَّيَادِلَةِ
تَدْلِيسُ هَذَا الْبَابِ، وَاَلَّذِي بَعْدَهُ كَثِيرٌ، لَا يُمْكِنُ حَصْرُ مَعْرِفَتِهِ عَلَى التَّمَامِ. فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ نَظَرَ فِيهِ، وَعَرَفَ اسْتِخْرَاجَ غُشُوشِهِ، فَكَتَبَهَا فِي حَوَاشِيهِ تَقْرِيبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَهِيَ أَضَرُّ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقَاقِيرَ، وَالْأَشْرِبَةَ مُخْتَلِفَةُ الطَّبَائِعِ، وَالْأَمْزِجَةِ، وَالتَّدَاوِي عَلَى قَدْرِ أَمْزِجَتِهَا. فَمِنْهَا مَا يَصْلُحُ لِمَرَضٍ وَمِزَاجٍ، فَإِذَا أُضِيفَ إلَيْهَا غَيْرُهَا أَحْرَفَهَا عَنْ مِزَاجِهَا، فَأَضَرَّتْ بِالْمَرِيضِ لَا مَحَالَةَ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى (^١) الصَّيَادِلَةِ أَنْ يُرَاقِبُوا اللَّهَ ﷿ فِي ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُخَوِّفَهُمْ، وَيَعِظَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ الْعُقُوبَةَ، وَالتَّعْزِيرَ، وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ عَقَاقِيرَهُمْ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ. فَمِنْ غُشُوشِهِمْ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُمْ يَغُشُّونَ الْأَفْيُونَ (^٢) الْمِصْرِيَّ بِشِيَافِ (^٣) ماميتا (^٤)، وَيَغُشُّونَهُ أَيْضًا بِعُصَارَةِ، وَرَقِ الْخَسِّ الْبَرِّيِّ، وَيَغُشُّونَهُ أَيْضًا بِالصَّمْغِ.
وَعَلَامَةُ غِشِّهِ أَنَّهُ إذَا أُذِيبَ بِالْمَاءِ ظَهَرَتْ لَهُ رَائِحَةٌ كَرَائِحَةِ الزَّعْفَرَانِ، إنْ كَانَ مَغْشُوشًا بالماميتا، وَإِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ ضَعِيفَةً، وَهُوَ خَشِنٌ، كَانَ مَغْشُوشًا بِعُصَارَةِ الْخَسِّ؛ وَاَلَّذِي هُوَ مُرٌّ صَافِي اللَّوْنِ ضَعِيفُ الْقُوَّةِ، يَكُونُ مَغْشُوشًا بِالصَّمْغِ. وَقَدْ يَغْشَوْنَ الراوند [الصِّينِيَّ] (^٥) بِنَبْتَةِ يُقَالُ
_________
(^١) في س، وسائر النسخ الأخرى "عليهم"، وقد حذف الضمير وأثبت العائد للتوضيح.
(^٢) الأفيون لبن الخشخاش الأسود، وكانت تكثر زراعته في صعيد مصر، ومنها يحمل إلى سائر البلدان في العصور الوسطى. (ابن البيطار: المفردات، جـ ١، ص ٤٥ - ٤٦).
(^٣) الشِّياف نوع من الأدوية، يَتَّخِذَ قمعًا أو تلبيسة لمعالجة أمراض المستقيم، أو دواء سائلا لأمراض العيون. (ابن بسام: نخبة من كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة، مجلة المشرق، سنة ١٩٠ المجلد ١١، ص ٥٨٢؛ المقريزى: السلوك، جـ ١، ص ٩٩٩، حاشية ٣).
(^٤) الماميتا نبات قليل الارتفاع مرّ الطعم، وورقه شبيه بورق الخشخاش، وزهره يميل إلى الزرقة. (ابن البيطار: المفردات، ج ص ١٢٤ - ١٢٥).
(^٥) الإضافة من ص، م. والراوند ساق نبات إذا استخرج من الأرض وهو رطب يتشقق قطعًا، وهذه تثقب وتنظم في خيوط وتعلق في الهواء حتَّى تجف، وهو يميل إلى الحمرة، وإذا مضغ مال لونه إلى الصفرة، وكان يستخدم في معالجة أوجاع الكبد والكلى والمغص وغيرها. (ابن البيطار: المفردات، جـ ص ١٢٩ - ١٣١). وموطنه (الراوند) بلاد الصين بمقاطعة شانسي (Chan - si)، وكانت تنقله القوافل عن طريق وسط آسيا، إما إلى طرابزون أو إلى حلب. انظر. (٦٦٧ - ٦٦٥ pp. Heyd: op. Cit. II)
1 / 42