الْبَابُ الْأَوَّلُ
فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ مِنْ شُرُوطِ الْحِسْبَةِ، وَلُزُومِ مُسْتَحَبَّاتِهَا
لَمَّا كَانَتْ الْحِسْبَةُ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، وَإِصْلَاحًا بَيْنَ النَّاسِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَسِبُ فَقِيهًا، عَارِفًا بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، لِيَعْلَمَ مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَنْهُ.
فَإِنَّ الْحَسَنَ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ، وَالْقَبِيحَ مَا قَبَّحَهُ [الشَّرْعُ] (^١)، وَلَا مَدْخَلَ [لِلْعُقُولِ] (^٢) فِي مَعْرِفَةِ الْمَعْرُوفِ، وَالْمُنْكَرِ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ ﷿، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ وَرُبَّ جَاهِلٍ يَسْتَحْسِنُ بِعَقْلِهِ مَا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ، فَيَرْتَكِبُ الْمَحْظُورَ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةً عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ
فَصْلٌ
وَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَعْلَمُ، وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِفِعْلِهِ، فَقَدْ قَالَ [اللَّهُ] (^٣) ﷿ فِي ذَمِّ عُلَمَاءِ بَنْيِ إسْرَائِيلَ: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾، وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِالْمَقَارِيضِ (^٤)، فَقُلْت: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؛ قَالَ: هَؤُلَاءِ (^٥) خُطَبَاءُ أُمَّتِك الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ».
وَقَالَ اللَّهُ ﷿ مُخْبِرًا عَنْ شُعَيْبٍ ﵇ لَمَّا نَهَى قَوْمَهُ عَنْ بَخْسِ الْمَوَازِينِ، وَنَقْصِ الْمَكَايِيلِ: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾، وَلَا يَكُونُ [الْمُحْتَسِبُ] (^٦) كَمَا قَالَ ابْنُ هَمَّامٍ السَّلُولِيُّ (^٧):
_________
(^١) الإضافة من ع فقط.
(^٢) أغفل كاتب س هذا اللفظ، وهو وارد في جميع النسخ الأخرى.
(^٣) الإضافة من ل، هـ فقط.
(^٤) كذا في س، وفي ل "بمقاريض من النار".
(^٥) الإضافة من ص، م.
(^٦) الإضافة يقتضيها الأسلوب، وسيجد القارئ إضافات أخرى بدون تعليق عليها، إلا إذا كان للتعليق أهمية خاصة.
(^٧) في س، ص، ع، ل، هـ "أبو همام الشاذلى"، وما هنا من "لسان العرب" في شرح كلمة =
1 / 6