নিদা হাকিকা
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
জনগুলি
الحياة العامة التي نحياها مع الآخرين تعرف الموت بوصفه حادثا يقع كل يوم، حالة وفاة تتكرر كل ساعة ولا يصح أن تفاجئنا أو تشد انتباهنا أو تشغلنا أكثر مما ينبغي لها، ولا يصح أن توقف عجلة أعمالنا أو تعطل دولاب سيرنا وسعينا، والناس يهونون من شأن الموت، ويؤمنون أنفسهم منه، ويقذفون به في حلق المستقبل البعيد قائلين: أجل! كلنا لها، كل إنسان صائر للموت، ولكنه لا يعنينا الآن، ولم يصبنا في هذه المرة على الأقل، كل إنسان يموت، أي لا أحد يموت بحق، هذا هو الالتباس الذي يقع فيه الناس حين يلغون ويثرثرون عن الموت، إنه في نظرهم شيء غير محدد، لا بد أن يأتي من مكان مجهول، في وقت غير معلوم، ولكن لا خطر منه الآن! هو مجهول يصيب مجهولين، مجرد حادث يصيب كل إنسان ولا يصيب إنسانا بالذات، هو حالة مألوفة ، واقع متكرر، ولهذا يهربون منه، يحجبون طابع الإمكان الذي ينطوي عليه وما يتصل به من توحد رهيب ينبع من انعدام كل علاقة واستحالة النجاة منه أو تخطيه، بهذا يحرمون الموجود-الإنساني من أخص إمكانيات وجوده، ويزينون له أن يضيع في الناس ومسكناتهم المألوفة عن الموت، كما يئدون فيه شجاعة القلق الذي يواجهه به.
هكذا يسقط الموجود-الإنساني في هذا الفهم اليومي الذي يصبح هروبا مستمرا من الموت، وإن دل هذا على شيء فهو يدل على أن الموجود-الإنساني في حياته اليومية يوجد أيضا للموت أي لأخص إمكانيات وجوده وألصقها بحقيقته، ولكنه وجود ناقص، لا يعدو أن يكون نوعا من عدم الاكتراث بهذه الإمكانية القصوى، وإذا انشغل بالموت - كأن يبدي شيئا من الرعاية للآخر الذي يحتضر - فإنما يفعل هذا ليقنعه بأنه سوف يشفى ويرجع للحياة اليومية المألوفة، أو يهمس في سمعه بالكلمات المحفوظة: الموت حق على كل إنسان، الآخرة خير من الدنيا، الحياة الحقيقية هناك ... إلخ، الموت عند الناس يقيني، محتوم، لا مفر منه، ولكن هذا كله يأتي من تجربتهم بموت الآخرين، بحقيقة معروفة جربها كل الناس قبلنا، وقد تقع لمن «نرعاه» ونعزيه عنها، ولكنها لم تزل بعيدة عنا مؤقتا، ومثل هذا اليقين المزعوم يلغي اليقين المميز للموت ويحجبه - أعني يقين إمكانه في كل لحظة - وهو الذي ينبع من إمكانية الوجود الخاصة بالوجود الإنساني نفسه.
ما علاقة هذا بإمكان وجودنا الكلي الذي نشعر به من خلال الموت؟ وما الصلة بينه وبين الهم باعتباره المكون الأساسي للموجود الإنساني؟
إن الوجود للموت يقوم على الهم، فالموجود الإنساني، من حيث هو وجود، ملقى به - في العالم - مسلم دائما إلى موته، ووجوده لموته يجعله يموت دائما وبالفعل، ما بقي موجودا ولم يبلغ نهايته بعد، ومعنى أنه يموت دائما وبالفعل في كل لحظة تقع بين الميلاد والوفاة؛ أنه قد اختار بشكل من الأشكال نوع وجوده للموت، وتهربه اليومي منه هو نفسه وجود غير أصيل للموت (فعدم الأصالة يقوم على الأصالة، كما أن اللاحقيقة تقوم على الحقيقة ).
إذا كان الموجود الإنساني في حياته اليومية يوجد للموت وجودا غير حقيقي وغير أصيل، فهل يمكنه أن يتوصل للفهم الحقيقي له، أي لإمكانيته الحميمة، الخالصة من كل علاقة، المتأبية على كل تخط، اليقينية وإن تكن غير محددة؟ إن الوجود الأصيل للموت يدل على إمكانية الوجود الأصيل للموجود الإنساني. فما هي الشروط الوجودية لهذه الإمكانية؟
الموت إمكانية وجود للموجود الإنساني، أو هو بالأحرى أعلى إمكانيات هذا الوجود وأشدها خصوصية وتفردا، وهو يختلف عن إمكان وجود شيء من الأشياء التي تكون تحت تصرفنا وفي متناول أيدينا، أو نجدها حاضرة أمامنا، والموجود الإنساني يسلك إزاءه مسلك الانتظار والتوتر والترقب لإمكانية ستقع يقينا ولكن في وقت غير معلوم؛ ولهذا سنصف الوجود-للموت (الذي علينا أن نتحمله ونواجهه وندخل في حوار دائم معه) بأنه استباق إلى الإمكانية،
78
ولكن أية إمكانية هذه؟ إنها إمكانية كل وجود (أو استحالته)، وهي تتضخم وتزداد هولا مع الاستباق إليها، ليس هناك مقياس تقاس به، بل إنها لا تعرف الأكثر والأقل، ولا تعطينا أي فكرة واقعية عن هذا الممكن الذي نترقبه حتى نستطيع أن نتهيأ له، كل ما هناك أن إمكانية استحالتنا هي التي تنتظرنا يقينا، ولكن في وقت مجهول وبصورة غير محددة، إن الموت هو أخص إمكانات الموجود الإنساني، والوجود من أجله يجعل الموجود الإنساني ينفتح على أخص إمكانيات وجوده الذي يتعلق به تعلقا مطلقا، بهذا يمكن أن يتكشف للموجود الإنساني - عن طريق هذه الإمكانية المتميزة لذاته - أنه قد انتزع بعيدا عن «الناس» أو أنه يقدر أن ينتزع نفسه منهم، وفهم هذه «القدرة» هو الذي يكشف عن الضياع الفعلي في حياة الناس اليومية.
79
كل ما قدمناه عن هذه الإمكانية: من أنها أخص إمكانيات الموجود الإنساني، وأنها مجردة من كل علاقة ولهذا تفرد الموجود الإنساني وتوحده وتسلمه لنفسه، وأنها يقينية ومن ناحية يقينها غير محددة - كل هذا يمكن أن نجمله في هذه العبارة العسيرة التي يلخص بها هيدجر الطابع الوجودي للموجود-من-أجل- الموت: «إن الاستباق (إلى إمكانية الاستحالة أو انعدام كل إمكانية) يكشف للموجود الإنساني عن ضياعه في «إنية الناس» ويدفع به - دون اعتماد على الرعاية والاهتمام من جانب الآخرين - إلى إمكانية أن يصبح هو ذاته، ولكنه يدفعه أيضا إلى الحرية من أجل الموت، هذه الحرية المتوقدة بالحماس، الخالصة من أوهام الناس، الحرية الفعلية الموقنة بنفسها والقلقة من نفسها.»
অজানা পৃষ্ঠা