নিদা হাকিকা
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
জনগুলি
وقد صرح هيدجر نفسه بأن السؤال عن الوجود هو الذي حرك فكره وحدد نقطة انطلاقه، وكان ذلك - كما قدمنا - ثمرة تأثره برسالة برنتانو وكتاب أستاذه بريج عن الوجود وبحوث هسرل المنطقية التي أشرنا إليها جميعا من قبل، ولكن كيف انضم السؤال عن الحقيقة إلى السؤال عن الوجود؟ وكيف ائتلفا في نسق واحد؟ كيف تطلب منه هذا أن يرجع لتجربة اليونان في الفكر والوجود، وأن يتأمل مسار الميتافيزيقا منذ بدايتها إلى تصورنا لها، وأن يلح في كتاباته على «التغلب» على الميتافيزيقا أو تجاوزها وقهرها وتخطيها؟ هذا هو ما نود أن نتحدث عنه الآن. (1) السؤال عن الوجود في أفق الزمان
من الصعب أن نتناول كتاب هيدجر المعروف «الوجود والزمان» (1927م) من كل جوانبه أو نحلل موضوعه وأقسامه بالتفصيل، فهذا الكتاب الذي بدأ عصرا جديدا في التفلسف وكان له أكبر الأثر على معظم التيارات الفلسفية في هذا القرن يحتاج بغير شك إلى دراسة منفردة، ولهذا فسوف نكتفي بمقدمة قصيرة عنه، نتطرق منها للحديث عن الموجود الإنساني (وهو الذي آثرنا أن نترجم به كلمة هيدجر «الدازاين»
2
أو الموجود الإنساني الذي يكون دائما على علاقة بالوجود العام ويتميز دون سائر المخلوقات بفهم هذا الوجود والسؤال عنه) باعتباره وجودا في العالم، ثم نتناول الوجودات
3 (أو المقومات الأساسية للموجود الإنساني) والزمانية، لكي نختم حديثنا بالسؤال عن الحقيقة كما عبر عنها هيدجر في هذا الكتاب.
ربما كان من قبيل الكلام المكرر أن نتحدث عن الأثر الضخم الذي أحدثه ظهور هذا الكتاب أو عن صعوبته وتعقيد لغته وغرابة مصطلحاته التي أذهلت قراء هذا الجيل (وما زالت تزعج الكثيرين منهم وتتخذ من بعضهم مناسبة للتندر والدعاية والتشهير!)
4
فتح الناس عيونهم فوجدوا أن عددا لا يستهان به من المشكلات «الكلاسيكية» في نظرية المعرفة قد قضي عليها بضربة واحدة، وأن القضايا التي كانت تتناولها الكانطية الجديدة قد أصبحت ضحلة، وأن تاريخ الميتافيزيقا من أفلاطون إلى نيتشه قد سلط عليه ضوء جديد، وأن فلسفة الظاهريات التي احتلت ميدان السباق وشغلت الأذهان منذ ربع قرن اكتست ثوبا جديدا وتجلت في صورة أخرى، بحيث تعذر على رائدها هسرل أن يتعرف عليها وأعلن رفضه الصريح لها وخيبة أمله في هذا الزي «الأنثروبولوجي» الذي خلعه عليها أخلص تلاميذه وألمعهم موهبة! ولعل «المعلم» لم يكن قد تعلم بعد أن التلميذ ليس بالضرورة نسخة من الأستاذ، ولا هو تابع يمتثل لتعاليم السيد، وأن الوفاء الحقيقي من المريد يقتضي منه التفرد والاختلاف فيما يتصل بأمور الفكر (لا بأمور الأخلاق بطبيعة الحال كما يتصور بعض الناس في بلادنا!) ولهذا كان الوجود والزمان بداية انقلاب جديد في التفكير الفلسفي، ومفرق طريق سرعان ما تشعبت عنه مسالك ودروب جديدة، صحيح أنه ووجه بسوء الفهم المنتظر من كل عمل جاد، ولكن لم يلبث أن ظهر تأثيره على ذلك الجيل، وتجاوز دائرة المشتغلين بالفلسفة في قاعات الدرس إلى دوائر العلماء الطبيعيين والأطباء والأدباء والشعراء حتى بلغ صداه أو كاد إلى آذان رجل الشارع!
والواقع أن تهمة التعقيد والصعوبة التي لحقت بالكتاب من قبيل السمعة السيئة التي تلصق بإنسان لم نعرفه حق المعرفة! صحيح أن مصطلحاته جديدة لا يخفى عليها أثر النحت والصنعة والعناء، وأن أسلوبه مرهق، وبناءه لا يخلو من التصميم والمنهجية التي تقترب من المذهبية البعيدة عن الطلاقة والانطلاق، ولكن أين العمل الفلسفي الذي يخلو من التنسيق والبناء؟ وأين الفيلسوف الذي يسمح لنا بالدخول إلى حلبته قبل أن نتزود من مخزن أسلحته بالدرع القوي والحراب والسهام التي تجعلنا أكفاء لمنازلته؟ ليس الكتاب صعبا إذا أخذناه من ناحية لغته؛ فهي لغة واضحة لكل من يملك الصبر والاستعداد لسماع صوتها، وليس الكتاب عسيرا إذا فهمنا مقصده الأساسي وهو السؤال عن الوجود، ولكن الكتاب يصبح مضنيا شاقا إذا أغفلنا الارتباط الجوهري بين الوجود والزمان أو نسينا أن الزمان هو الأفق الذي نطل منه على مسألة الوجود، صحيح أن الفلسفة القديمة والحديثة لم تخل من البحث في مشكلة الزمان (ويكفي أن نشير إلى مفهوم الزمان منذ أرسطو
5
অজানা পৃষ্ঠা