নবম শতাব্দীতে ইউরোপীয় চিন্তার প্রবণতা
نزعة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر
জনগুলি
لن يكمل بحث يعنى بتاريخ الفكر في القرن التاسع عشر، أو يبلغ حدا يرضي الحق، من غير أن يصرف عناية الاستبصار إلى ذلك العالم الكبير، عالم الفكر المطلق من الأساليب الموضوعة والأنظمة المفروضة، ذلك العالم الذي تمثله الآداب والفنون التي تبرز في عصر ما من العصور.
لقد خص الأدب والفن في القرن التاسع عشر بقسط من الحياة، ونصيب من قوة الابتكار، وسرعة التغاير والانقلاب التابعين لنزعة الفكر. لم ترو عصور التاريخ ما يبزها شأنا وخطرا، إلا عصور ثلاث: عصر سعدت به أثينا في عهد «بركليز»، وعصر نعمت به إيطاليا إبان «النهضة العلمية»، وعصر أزهرت فيه إنكلترا تحت حكم «اليصابات»، على أن القرن التاسع عشر قد خص بقسط من الابتكار الموسيقي لم تبلغ إليه العقول في كل عصور التاريخ، ففي ذلك الفن وحده، على ما يقول الثقات وجهابذة أهل النظر، يبز عصرنا بقية العصور، قوة ابتكار، ووفرة إنتاج، كذلك تجد في الشعر أن «جوته» و«واردسوورث» قد نهضا بالأذواق إلى مستوى أرقى من مستواها الذي ورثته عن القرون الأولى، وأبدع الفكر الفرنسوي والإنكليزي نوعا مبتكرا من القصص الخيالي، في حين أن تصوير المناظر الطبيعية، ذلك الفن الذي خلقه الإنكليز، لم يكن معروفا خلال القرون الأولى.
كل هذه الأشياء، على الرغم من نشوئها مطلقة غير مقيدة بقانون علمي ولا قاعدة فلسفية، وفي الغالب خارجة عن سلطان المدارس والمعاهد، فإنها تشير، بل تدل، على طرق جديدة من طرق التصور العقلي، وتشف عن مجموعة من الفكرات لم يتم نشوؤها، أو هي أتمت من النشوء الفكري قسطا جزئيا. إن كل هذه النواتج لتنم عن مجهود عقلي عميق، وإن لم يمتصه العلم ولم تسغه الفلسفة بعد، إلا أنه ينطوي، جريا على ما حددنا من ذلك التصور الجوهري، تحت عالم الفكر، أن المعنى المدرك منه قد يكون غامضا ملغزا، والتعبير الواضح الجلي الذي سوف ينتج ذلك المجهود في الفلسفة والاستنتاج العقلي، قد يكون بعيدا غير بين لنا في زماننا هذا، غير أننا مع ذلك لا نستطيع أن ننكر أنه كائن موجود ، وما هو إلا مجموع الفكر غير المحدود. هو تلك الأقباس المنيرة المتناثرة المبددة، التي لم نستشف بعد بؤرتها، ولم نعرف بعد نقطة ارتكازها، هو تلك الأشياء التي لن نستطيع أن نمر بها ونحن نؤرخ في تاريخ الفكر في القرن التاسع، من غير أن نلقي عليها بنظرة، أو نخصها بعناية البحث، على غموضها.
ليس من الهين أن نعثر على اصطلاح نصرفه على مجموعة الفكر غير الأسلوبي
Unmethodical Thought ، على تشعبها وتجزئها وتفاصم حلقاتها. لن تعثر لها على اصطلاح مكون من كلمة واحدة كاصطلاح العلم أو الفلسفة، يمكن أن يعبر عن كل ما فيها من معنى، وما تحوي من نزعة.
إلى هنا استطعنا أن نبين عما لا يمكن أن يصبح من الفكر الأسلوبي يوما من الأيام، غير أننا مع هذا نشعر بأن ذلك الحيز من الفكر لهو الذي يتضمن أعظم شطر من مصالحنا، وأخص ما يحتك بحياتنا العامة، وأنبل ما نتطلع إليه في الآمال، وما نشرئب إليه بأعناقنا في الأماني. إن العلم ليتمشى في طريق تسلم به شيئا فشيئا ليصبح مسألة إحصاء ونسبة، فيكون مهنة لا تعنى بغير المعمل، وحانوت البيع والمصنع والسوق، وكذلك الفلسفة؛ فإننا نستشم فيها كثيرا من رائحة المدرسة وقاعة المحاضرة.
وهي فضلا عن ذلك لتمعن في سبيل التكون على صورة مذهب أو قضايا عامة، وكثيرا ما تعنتنا بالتعاريف، وبالنظر في المجردات، غير أنك تجد أن النسبة والإحصاء والمقاييس والتعاريف، وتجريد الفكر الصرف؛ لتعجز برمتها عن أن ترضي، في ساعة هدوء أو فترة نحس فيها بحاجة ماسة من حاجات الدنيا، مطالب الحياة التي نقع عليها في الدين. وإني لأصرف هنا كلمة الدين كما هي في أصلها وجوهرها، وهي تدل عندي على ذلك الشطر من الفكر الذي يبرز في مجموعة مؤلفات الأدب الخارجة عن مباحث العلم والفلسفة.
هنالك كلمات يكثر أو يقل استعمالها في الأدب الحديث قد تساعدنا على وضع قاعدة نفرق بها بين ما نريد أن نفرق بين بعضه وبعض من نواتج العقل الإنساني، بحيث تؤهل بنا إلى تكوين نظرة أولية تنير لنا السبيل الذي يجب أن نسلكه في بحثنا هذا.
يقال: إن العلم ذو صفات ثلاث، يقال: إنه تام، إيجابي، موضوعي، وإن الفرق بينه وبين صور الفكر الأخرى أن هذه غير تامة، مبهمة، ذاتية
subjective . إن العلم ليؤدي للعقل نواتجه أو فكراته في اصطلاحات محدودة بالتعريف، مباشرة المعنى، بينما تجد أن هنالك عالما من الأدب والنواتج العقلية غير محدود بالتعاريف، رمزيا في قوامه، غير مباشر المعنى والتعبير. إن العلم ليسلم بأن ليس له من دعامة إلا دعامة المعرفة، على أن تكون بينة جلية تامة الوضع؛ لهذا تجده معاندا في طبيعته لنواحي الفكر المرتكزة على الآراء والاعتقاد والإيمان.
অজানা পৃষ্ঠা