বিবর্তন তত্ত্ব এবং মানুষের উৎপত্তি
نظرية التطور وأصل الإنسان
জনগুলি
فإذا سلمنا بأن الزراعة هي أصل الحضارة بقي أن نعرف أن الأمم الزراعية سبقت غيرها؛ إذ لا بد أن واحدة منهن قد سبقت الجميع، ولسنا نعرف من تاريخ بابل أو الهند أو الصين أن إحدى هذه الأمم تساوي مصر في قدم تاريخها.
والاستقراء يثبت أن الثقافة المصرية، من دينية وصناعية، قد خرجت من مصر وسارت في جميع آسيا، بل وصلت إلى أمريكا؛ حيث عرف أسلوب من التحنيط المصري في وقت كان قد مات فيه من مصر؛ إذ كانت المسيحية قد انتشرت عندنا، على نحو ما نرى الآن الصناعات التي كانت فاشية في عهد الحروب الصليبية قد انتشر استعمالها الآن بين زنوج إفريقيا الغربية الذين يصنعون السيوف والدروع على طريقة الصليبيين.
ولا بد أن الحضارة الأولى نشأت في بلاد معتدلة الحرارة حول أحد الأنهار؛ لأن الزراعة التي هي أول أنواع الحضارة لم تكن مستطاعة في العصور الأولى في بلاد شديدة الحرارة أو شديدة البرودة.؛ لأن شدة الحرارة تسرع نمو النبات والأعشاب فلا يستطيع الإنسان السيطرة عليها، ولا يزال للأن سهل الأمازون في برازيل غير آهل بالسكان؛ لكثرة غاباته وأحراشه التي لم يقدر الإنسان على التغلب عليها.
وكذلك شدة البرودة تبطئ نمو الزرع، ويتكلف فيها الزراع مشقة أكبر مما يتكلفه الزراع في البلاد المعتدلة الحرارة، وإنما تنجح الزراعة في أوربا الآن لكثرة الآلات العصرية.
فبلاد مصر هي أولى البلاد التي ظهرت فيها الزراعة في العالم لاعتدال مناخها، وهي لذلك أول قطر عرف الحضارة في العالم؛ لأن الزراعة أجبرت المصري على أن يعرف صناعة البناء (والخزف ضمنا) وتدجين الحيوان وخميرة الخبز والجعة والتوقيت، وهو يحتاج إلى معارف فلكية عن الشمس والكواكب، ثم الكتابة لكي يضبط بها التوقيت في تقويم خاص.
وما زلنا نحن للآن نشهد بصحة توقيت قدماء المصريين باستعمالنا تقويمهم في الزراعة؛ فإن السنة القبطية هي السنة المعول عليها بين الفلاحين الآن، ومن الحروف الهيروغليفية الصورية اهتدى الفينيقيون وغيرهم إلى حروف أبجدية انتشرت في جميع أنحاء العالم.
وبوجود الزراعة في مصر وجد مجتمع منظم، ووجد نظام للكهنة وأوقاف للمعابد، وصار الدين عقائد ثابتة لا تتغير، وكل هذه الأنظمة خرجت من مصر وفشت في البلاد الأخرى، بل ربما كانت لفظة «آمين» المنتشرة في العالم الآن التي تختم بها الأدعية هي نفسها لفظة «آمون» الرب المصري القديم؛ لأنها في الهيروغليفية تكتب «آمن»، ويمكن أن تنطق أمان وأمين وأمون.
وهذه هي الحضارة، وهي لا تختلف عن حضارتنا الراهنة إلا من حيث الدرجة لا من حيث النوع، فمنذ عرف الإنسان الزراعة بدأت الحضارة.
أما كيف عرف الإنسان الزراعة فلا يزال موضع شك، وقد قيل في ذلك أنه عندما كان الإنسان يدفن موتاه كان يضع بعض الأثمار معه حتى يأكلها؛ اعتقادا بأنه يحتاج إلى الطعام بعد وفاته، فكانت البذور التي في الأثمار تنمو، بل تنمو زكية لأنها تتغذى بسماد الجثة المتوفاة، فكان هذا داعيا إلى تنبيه ذهنه إلى الزراعة وإلى الإيمان بأرواح الموتى أيضا.
ومن الإيمان بأرواح الموتى ترقى الإنسان إلى الإيمان بالآلهة، ومما يزيد هذا الظن أن الأمم القديمة، وبعض الطوائف المتوحشة الحديثة، كانت تضحي بإنسان أو بماشية وتقطعه أجزاء توزعها في الحقول حتى يزكو الزرع؛ كأنها تجري على التقليد القديم حين كان يعتقد الإنسان أن الزرع لا ينمو إلا عن واسطة ميت، وربما ابتدأت الملكية في الأرض أيضا من هذا الأصل؛ لأن من دفن قريبا له صارت الأرض حوله حرما له يزرع فيه ما يشاء، ويكون الزرع ملكه؛ لأن روح الميت التي أنبتته هي روح قريبه الذي لا حق لأحد عليه غيره.
অজানা পৃষ্ঠা