قليلًا، مع أنه من أهل مصر والقاهرة، وله حظ من الرياسة الظاهرة، وعنده من الكتب، على ما قيل، ما لا يحصى، لما ناله من السعادة الباهرة، وقِدْمًا قيل "نعم العون على العلم الرياسة"، فما الظن بمن في طرف من آخر المعمور، خال عن العلم وأدواته، خادع نفسه بسراب التمني والغرور؟ ولولا فضل المولى ذي الفضل والإحسان، الذي يفتح على من يشاء من عباده بما شاء من أنواع الامتنان، ما جمعت في هذه الكراريس ما تيسر لي من ذلك ممن ليس في ديباج ابن فرحون مذكورة، وزدت في بعض تراجم من ذكره ما ترك من أوصافه المشكورة، فجاء -بحمد اللَّه تعالى- فوق ما أردت، وزائدًا على ما نويت وقصدت، وسميته بـ (نيل الابتهاج، بتطريز الديباج)، جعله اللَّه تعالى خالصًا لكريم وجهه، وموجب الفوز لديه بفضله.
مقدمة:
قال بعضهم نقلًا عن "أبي شامة" (١) قال "أبو مصعب الزبيدي": ما رأيت أحدًا أعلم بأيام العرب، بل بأيام الناس من الشافعي. ويروى عنه. أنه أقام على تعلم أيام الناس والأدب عشرين سنة، وقال ما أردت بذلك إلا الاستعانة على القلب، وفي كتاب اللَّه وسنة رسوله ﷺ، من أخبار الأمم السالفة ما فيه عبر لذوي البصائر. قال تعالى -وهو أصدق القائلين-: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (سورة هود، الآية ١٢٠)، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ (سورة القمر، الآية ٤، ٥).
وحدّث النبي ﷺ بحديث أم زرع وغيره لما جرى في الجاهلية والإسلام، والأحاديث الإسرائيلية، وحكى عجائب الإسراء والمعراج، وقال: "حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج". وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن
_________
(١) أبو شامة (٥٩٦ - ٦٦٥ هـ) وقيل: ٥٩٩ هـ. هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان شهاب الدين أبو القاسم أبو شامة. انظر ترجمته في: طبقات القراء ١: ٣٦٦. طبقات الشافعية ٥: ٦١، أعلام من الاسكندرية ١٧٦. بغية الوعاة ٢٩٧. البداية لابن كثير ١٣: ٢٥٠.
1 / 29