وأبعدها من التحلل أقبلها للصورة وأشدها تأدية لأسرار الصورة - كذلك المحسوسات متبعة حوامل محسوساتها، فنجد فيها الكدر والعوج وجميع أصناف الاختلاف العارض لها من جهة الطينة؛ فأما القوة المصورة فليس تنال الصورة الحسية مع طينتها، فليس يعرض لها الفساد العارض من الطينة؛ ولذلك ما توجد الصورة النومية أتقن وأحسن؛ وأيضا فإنها تجد ما لا تجد الحواس بتة؛ فإنها تقدر أن تركب الصور، فأما الحس فلا يركب الصورة، لأنه لا يقدر على أن يمزج الطين ولا أفعالها؛ فإن البصر لا يقدر على أن يوجدنا إنسانا له قرن أو ريش أو غير ذلك مما ليس للانسان فى الطبع، ولا حيوانا من غير الناطق ناطقا؛ فإنه لا يقدر على ذلك، إذ ليس هو موجودا فى طينة من المحسوسة بتة التى له أن يجد الصور بها؛ فأما فكرنا فليس بممتنع عليه أن يوهم الإنسان طائرا أو ذا ريش، [وإن لم يكن ذا ريش]، والسبع ناطقا. وهذه القوة المصورة إنما هى مصورة الفكر الحسية ؛ فأى فكرة عرضت لنا. عند تشاغلنا عن جميع الحواس، تمثلت صور تلك الفكرة لنا مجردة بغير طينة، فوجدنا فى النوم من الصور الحسية ما ليس يجده الحس بتة.
فقد تبين [لنا] إذن ما الرؤيا بما قلناه: فالرؤيا إذن هى استعمال النفس الفكر ورفع استعمال الحواس من جهتها؛ فأما من الأثر نفسه فهى انطباع صور كل ما وقع عليه الفكر من ذى صورة، فى النفس، بالقوة المصورة، لترك النفس استعمال الحواس ولزومها استعمال الفكر.
পৃষ্ঠা ৩০০