وأما العلل القريبة المنيمة للحى فهى برد الدماغ وابتلاله؛ فإنه إذا برد وابتل استرخى عن حال اعتداله وتهيئه للحركة الحسية، إذ آلات الحس منبعثة وناشئة من الدماغ، كما قد بينا فى الأقاويل المشاكلة لذلك، أعنى فى القول على طبيعة الحيوان، فتركت النفس استعمال الحواس لعسرة ذلك، ومالت إلى الفكرة، فحدث النوم وما يرى [فى] النوم.
وأما العلة المرطبة للدماغ والمبردة له، فإنه غؤور الحرارة فى باطن بدن الحى وبرد أطرافه وارتفاع البخار الرطب اللطيف بغؤور الحرارة فى باطن البدن، إلى الدماغ؛ ومن الدليل على ذلك أنا إذا أكثرنا من الطعام الرطب البارد وسكنت حركاتنا، فبرد ظاهر أبداننا، وبطنت الحرارة، استرخت حواسنا، وثقل علينا استعمالها، وانطبق ما كان منها استعماله بالفتح؛ وإن كان الحى على حال لا يقدر على أن يطبقه، هيأت الطبيعة له ما يريحه من الحس، كالذى يعرض للعيون، فإنها تقلب سوادها وتخفيه تحت الأجفان العليا؛ وإن كان طبع الحيوان مما يمكن سواد ناظره أن يتسع ويضيق، كما هو موجود فى الهرر والأرانب وسباع الطير وما كان كذلك، فإنها متهيئة لتضييق سواد ناظرها وتوسيعه، والجفن متقلص ضيق السواد، حتى يصير فى حال لا يحس بثقل استعمال الحس على الحيوان، مع برد الدماغ ورطوبته؛ حتى أنا إذا أردنا استدعاء النوم سكنا أبداننا من الحركة، وأطبقنا أبصارنا، واحتلنا لإظلام موضعنا، وباعدنا عنا الأصوات، لأن يبطل استعمال الحواس، فيكون النوم الذى حددنا فى أول كتابنا هذا.
পৃষ্ঠা ৩০৭