قيل: إن معن بن زائدة قبض على عدة من الأسرى فعرضهم على السيف، فالتفت إليه بعضهم وقال له: أصلح الله الأمير، لا تجمع علينا بين الجوع والعطش ثم القتل، فوالله إن كرم الأمير يبعد عن ذلك، فأمر لهم حينئذ بطعام وشراب فأكلوا وشربوا ومعن ينظر إليهم، فلما فرغوا من أكلهم قالوا له: أيها الأمير أطال الله بقاءك إننا قد كنا أسراك والآن صرنا ضيوفك، فانظر كيف تصنع بضيوفك، فعند ذلك قال لهم معن: قد عفوت عنكم، فقال أحدهم: والله أيها الأمير إن عندنا عفوك عنا أشرف من يوم ظفرك بنا، فسر معنا هذا الكلام وأمر لكل منهم بكسوة ومال.
كرم معن بن زائدة
حكي عن معن بن زائدة أن رجلا قال له: احملني أيها الأمير، فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار، ثم قال له: لو علمت أن الله خلق مركوبا غير هذا لحملتك عليه، وقد أمرنا لك من الخز بجبة وقميص ودراعة وسراويل وعمامة ومنديل ورداء وجورب وكيس، ولو علمنا لباسا غير هذا من الخز لأعطيناك، ثم أمر بإدخاله إلى الخزانة وصب تلك الخلع عليه.
إجارة معن لرجل استغاث به من المنصور
روي أن أمير المؤمنين المنصور أهدر دم رجل كان يسعى بفساد دولته مع الخوارج من أهل الكوفة، وجعل لمن دل عليه أو جاء به مائة ألف درهم، ثم إن الرجل ظهر في بغداد، فبينما هو يمشي مختفيا في بعض نواحيها إذ بصر به رجل من أهل الكوفة فأخذ بمجامع ثيابه وقال: هذا بغية أمير المؤمنين، فبينما الرجل على هذه الحالة إذ سمع وقع حوافر الخيل فالتفت فإذا معن بن زائدة، فاستغاث به وقال له: أجرني أجارك الله، فالتفت معن إلى الرجل المتعلق به وقال له: ما شأنك وهذا؟ فقال له: إنه بغية أمير المؤمنين الذي أهدر دمه وجعل لمن دل عليه مائة ألف درهم، فقال: دعه، وقال لغلامه: انزل عن دابتك واحمل الرجل عليها، فصاح الرجل المتعلق وصرخ واستجار بالناس وقال: حال بيني وبين بغية أمير المؤمنين، فقال له معن: اذهب فقل لأمير المؤمنين وأخبره أنه عندي، فانطلق الرجل إلى المنصور فأخبره، فأمر المنصور بإحضار معن في الساعة، فلما وصل أمر المنصور إلى معن دعا جميع أهل بيته ومواليه وأولاده وأقاربه وحاشيته وجميع من يلوذ به وقال لهم: أقسم عليكم بأن لا يصل إلى هذا الرجل مكروه أبدا وفيكم عين تطرف، ثم إنه سار إلى المنصور فدخل وسلم عليه فلم يرد عليه المنصور السلام، ثم إن المنصور قال له: يا معن أتتجرأ علي، قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: ونعم أيضا، وقد اشتد غضبه، فقال معن: يا أمير المؤمنين كم من مرة تقدم في دولتكم بلائي وحسن عنائي، وكم من مرة خاطرت بدمي أفما رأيتم أهلا بأن يوهب لي رجل واحد استجار بي بين الناس بوهمه أنه عبد من عبيد أمير المؤمنين وكذلك هو، فمر بما شئت ها أنا بين يديك، فأطرق المنصور ساعة ثم رفع رأسه وقد سكن ما به من الغضب وقال له: قد أجرناكه يا معن، قفال له معن: إن رأى أمير المؤمنين أن يجمع بين الأجرين فيأمر له بصلة فيكون قد أحياه وأغناه، فقال المنصور: قد أمرنا له بخمسين ألف درهم، فقال له معن: إن صلات الخلفاء على قدر جنايات الرعية، وإن ذنب الرجل عظيم فأجذل صلته، قال: قد أمرنا له بمائة ألف درهم، فقال له معن: عجل بها يا أمير المؤمنين، فإن خير البر عاجله، فأمر له بتعجيلها، فحملها وانصرف وأتى منزله وقال للرجل: يا رجل خذ صلتك والحق بأهلك وإياك ومخالفة الخلفاء في أمورهم بعد هذه.
جود معن بن زائدة
حكي عن معن بن زائدة أن شاعرا من الشعراء قصده فأقام مدة يريد الدخول عليه فلم يتهيأ له ذلك، فلما أعياه الأمر سأل بعض خدمه وقال له: أرجوك إذا دخل الأمير إلى البستان أن تعرفني، فلما دخل معن إلى بستانه ليتنزه جاء الخادم وأخبر الشاعر، فكتب الشاعر بيتا من الشعر على خشبة وألقاها في الماء الجاري إلى البستان، فاتفق أن معنا كان جالسا في ذلك الوقت على جانب الماء، فمرت عليه الخشبة فنظر فيها كتابة فأخذها وقرأها فوجد فيها:
أيا جود معن ناج معنا بحاجتي
فما لي إلى معن سواك سبيل
فلما قرأها معن قال لخادمه: أحضر الرجل صاحب هذه الكتابة، فخرج وجاء به فقال له: ماذا كتبت، فأنشده البيت، فلما تحققه أمر له بألف درهم، ثم إن معنا وضع تلك الخشبة البساط مكان جلوسه، فلما كان اليوم الثاني جاء فجلس في مجلسه فآلمته الخشبة، فقام لينظر ما آلمه فرأى الخشبة فأمر خادمه أن يدعو الرجل، فمضى وجاء به فأمر له بألف درهم ثانية، ثم إنه في اليوم الثالث خرج إلى مجلسه فآلمته الخشبة فدعا الشاعر وأعطاه ألف درهم أيضا، فلما رأى الشاعر هذا العطاء الزائد لأجل بيت واحد من الشعر خاف أن معنا يراجعه عقله ويأخذ المال منه فهرب، ثم إن معنا خرج إلى مجلسه في اليوم الرابع فآلمته الخشبة فخطر الشاعر بباله فأمر خادمه أن يحضره ويعطيه ألف درهم، فمضى الخادم وسأل عنه فقيل له: إنه سافر، فرجع وأخبر مولاه، فلما بلغه أنه سافر اغتم جدا وقال: وددت والله لو أنه مكث وأعطيته كل يوم ألفا حتى لا يبقى في بيتي درهم.
অজানা পৃষ্ঠা