يقال إن أفخر قطرات العالم بناء وأعظمها جمالا وإتقانا وإبداعا في الصنع القطار المفتخر الذي كان للقيصر نقولا السابق؛ فقد كان قصرا متحركا على عجلات وكان مؤلفا من إحدى عشرة مركبة من ذوات المماشي وفيها أجراس كهربائية، وكانت المركبة التي يركبها القيصر موضوعة في وسط المركبات زيادة في الاحتياط، وكانت داخل جدران المركبة التي تجلس الإمبراطورة فيها مكسوة بالحرير الأحمر الفاتح اللون أما مركبة النوم، فكانت مكسوة من الداخل بالساتين الأزرق الفاتح، وكل مركبة نوم كان لها حمام وغرفة للبس وكلها مجهزة بأجهزة التنبيه إلى الخطر، ومن القطارات الفاخرة أيضا قطار إمبراطور ألمانيا وهو مؤلف من ست مركبات تزن كل واحدة منها ستين طنا، فأربع مركبات منها مخصصة لركوب الإمبراطور والمركبتان الآخرتان للطبخ وتحضير الطعام أما المركبة الثانية لهذا القطار فمعدة للإمبراطور وتشتمل على صالون للجلوس، وغرفة للنوم وغرفة حمام وغرفة للبس وأماكن ينام فيها حرسه الخصوصي، أما الصالون الذي يجلس فيه فقد بطنت جدرانه بخشب شجر أرز قديمة من أشجار أرز لبنان كان قدمها السلطان عبد الحميد السابق هدية إلى ولهلم الإمبراطور، وعلى نوافذ هذا الصالون قضبان من الحديد، ويقف الحجاب وهم شاهرو السلاح على مدخل الصالون ليل نهار، وآخر مركبة في هذا القطار مخصصة لمهندس القطار الذي بيده أجهزة الفرملات والكباسات التي يستطيع بها توقيف سير القطار حالا عند صدور إشارة خطر. •••
بسالة سيدة فرنسوية: تعد السيد مدام ميتر زوجة النائب عن مقاطعة لوار الفرنسوية من نساء فرنسا الأبطال؛ إذ قامت في ميادين الحرب وتحت نيران الأعداء بأعمال مجيدة تشهد لها بالوطنية والغيرة والحنان؛ فقد خاطرت بحياتها لتخفيف آلام الجرحى والمصابين من الجنود، تطوعت هذه السيدة الباسلة ممرضة في فرقة الرماة الألبيين وأصيبت عدة مرات بجروح بعضها بالغا في أثناء قيامها بأعمالها؛ فكانت تسقط في مكان عملها، فيأتي رجال الصليب الأحمر لإسعافها ويضمدون جروحها ولكنها تعود إلى الخدمة قبلما تبرأ الجروح، ولقد حفظت الحكومة الفرنسوية جميلها وذكرت أفعالها الحميدة؛ فأنعمت عليها غير مرة بنشان الصليب الحربي، وقد كافأتها آخر مرة بنشان اللجيون دونور من الدرجة الرفيعة، فأنعم بها من ملاك رحمة وحنان جمعت الضدين: الشفقة والإقدام! ففي إسعاف الجرحى مملوءة عواطف رقيقة نبيلة وفي ساعة الشدة لا ترهب الموت الزؤام ولو تمثل لها. •••
أنفاق الألمان في جوف الأرض: لا مشاحة في أن الألمان وضعوا هندسة الأنفاق والسراديب التي حفروها في جوف الأرض مع ما رسموه ووضعوه من الخطط الدقيقة قبل نشوب الحرب، فالذي يقع على وصف الأنفاق الألمانية التي استولى الفرنسويون عليها في شهر سبتمبر سنة 1917 في مورتوم تأكد صحة ذلك؛ فقد احتاط الأعداء للجزئيات كلها وأعدوا معداتهم لإنشاء هذه الأنفاق التي لم تكن في الحقيقة إلا ثكنات طويلة منقورة في بطن الأرض، ولكنها منقورة على قواعد علمية تدل على عناية سابقة بوضع خطتها، وقد وجد الفرنسويون تلك الأنفاق وافية بالشروط التي تجعل السكنى فيها أمرا مرعيا؛ ففيها مواسير للهواء ومواسير يجري فيها الماء إليها ومواسير تنقل منها المواد البرازية، وفي أماكن معينة محطات للوابورات التي تدار بزيت البترول الوسخ فتولد كهربائية تنقل بالأسلاك إلى جميع تلك الأنفاق فتنار بالكهربائية كما أنهم يستخدمون الكهربائية لإدارة المحركات الكهربائية في الأنفاق الحارة.
وقد أخذ الفرنسويون آلة بخارية كانت هناك بعدما استولوا على ذلك النفق، ووجدوا الآلة في حالة تصلح للاستعمال فأداروها واستعملوها لإنارة الخنادق. •••
مرض أحد الجنود الألمان مرضا شديدا وكان مشهورا باقتراف الموبقات في بلاد البلجيك، ولما صار في حالة النزع طلب من رئيسة المستشفى أن تأتيه بصورتي الإمبراطور، وولي عهده وتضعهما على جانبيه فأجيب طلبه، ووضعت الصورتان كما طلب، ففتح المريض عينيه ورفع يديه إلى السماء وقال: الحمد لله، الآن أموت مرتاح الضمير بعد الجرائم العديدة التي ارتكبتها لأني أرى على جانبي صورتي شخصين أكثر إجراما مني. •••
يمر بقلم المراقبة في البوستة العمومية في لندن للمراسلات الصادرة والواردة رسائل يفتحها الرقيب فإذا وجد ما يشتبه في أمره حجزه وبحث فيه، وهم يعثرون في الطرود والملفات والرسائل على كثير من المواد الغذائية المهربة من سويسرا والبلدان المحايدة؛ فيمنعون وصولها لأنها مرسلة إلى الأعداء بطرق غير مسموحة وأغرب ما وجدوه يوما طردا معنونا باسم إمبراطور الألمان فلما فتحه الرقيب - وكان مرزوما رزما حسنا - عثر في داخله على أربع قطع من الخبز الجاف وقطعتين من العظام مربوطتين معا، ولقد صورهما مصور مع الورقة التي كان الطرد مروزما بها ونشرته الصحف وهي أضحوكة على الإمبراطور لم يقصد منها إلا إظهار مبلغ السخرية الذي يريد بعضهم أن يسخر به بمناسبة الحصر البحري ومنع المواد الغذائية من الوصول إلى ألمانيا. •••
لم يدع المتحاربون وسيلة إلا تذرعوا بها للفتك ببعضهم دفاعا أو هجوما بحرا أو برا حتى إنهم أشركوا معهم الجماد والحيوان وسخروا الهواء والماء والنار والأحجار والأشجار أيضا، ومن لطيف ما نشرته الصحف المصورة صورة جندي إيطالي في رأس شجرة باسقة قد ركز أمامه مدفعا رشاشا من طرز مكسيم بحيث يرى الأعداء ولا يرونه، وهو يطلق المدفع من خلال الأغصان وحياله عند أسفل الشجرة جندي آخر يحشو منطقة الخراطيش على التوالي، وآخر يرقب تأثير فعل الرصاص بالأعداء، وثم كان رجال الفرقة ينسلون إلى الأمام حاملين أكياس الرمال ليقيموا منها متاريس مؤقتة تقي رجال تلك الحملة الصغيرة من رصاصات الأعداء، رباه أما من وسيلة تقضي بإغماد السيوف والحراب فتكفي البشر شر الحروب وما يليها من الخراب؟ •••
راية تاريخية: إنه لما هاجم الإيطاليون جبل سانتو في ميدان الأسونزو اقتحموا ذلك الجبل المنيع من ثلاثة أماكن مختلفة، وكان كل فريق من الهاجمين يحمل شقة من الشقق الثلاث التي تتألف منها الراية الإيطالية، فلما وصلت الكتائب الثلاث إلى قمة الجبل خيطت الشقق الثلاث، فكانت الراية كاملة، وقد نصبوا تلك الراية التاريخية على ذلك الجبل بين هتاف الجنود وتهاليلهم، فما فعله الإيطاليون ألمع دليل وأسطع برهان على ما أوتوه من البسالة ودقة حسابهم الحربي الذي تأكدوا صحة وقوعه فبهروا بما فعلوه أنظار العالم. •••
الحاجة أم الاختراع: وما أكثر ما ولدته هذه الحرب العظمى من الحاجات حتى كانت حرب اختراعات حيث جعلت الناس أن يعدوا لكل أمر عدة فرارا من شدة إلى شدة، وكم من شدائد وملمات تتعاور الناس في قطع أجواز الحياة، وقد استلفت نظرنا بين تلك الاختراعات التي لا تحصى اختراع بسيط يبعث على الضحك والتفكهة نشرته الصحف المصورة وهو أنه لما أخطرت الجنود البريطانيون إلى الزحف في صحراء الحدود المصرية الشرقية والغربية عمدوا إلى الاستعانة بأقفاص معدنية حول أحذيتهم وتحتها ليسهل عليهم السير فوق الرمل بسرعة وخفة توازي خفة السير على الطرق المطروقة، فسبحان واهب العقول! •••
كيف عرف الألمان في خنادقهم أن أمريكا دخلت الحرب: اتبعت الحكومة الألمانية عادة إخفاء الأخبار الحربية عن رعاياها وجنودها وشددت الرقابة على الصحف والمراسلات فصار الشعب لا يعرف ما يجري خارج بلاده، وصار أفراد الجيش يقاتلون في الخنادق وهم جاهلون أخبار العالم الخارجي، والظاهر أن الحكومة العثمانية اقتدت بالحكومة الألمانية من هذا القبيل؛ فقد روى المقطم أن الأسرى العثمانيين الذين وقعوا في أيدي الجيش البريطاني أخيرا في فلسطين كانوا جاهلين خبر سقوط بغداد بيد البريطانيين، وقد دهشوا لما علموا حقيقة الخبر وإليك الطريقة المبتكرة التي تحداها الأمريكيون بإذاعة خبر دخول دولتهم في الحرب على الجنود الألمان في خنادقهم والأماكن التي رابطوا فيها وهي طريقة على جانب عظيم من الغرابة والفكاهة، ذلك أنهم طبعوا ألوفا من الرسائل باللغة الألمانية ضمنوها خبر إعلان أمريكا للحرب، ونشروا فيها باللغة الألمانية أيضا الخطبة الرنانة البليغة التي فاه بها الدكتور ولسن رئيس الولايات المتحدة وذكر فيها الأسباب التي دفعت الحكومة الأمريكية إلى امتشاق الحسام انتصارا للحق على الباطل، وبعدما طبعوا مئات الألوف من هذا المناشير أرسلوها إلى أماكن مختلفة على طول خطوط الحلفاء، ثم جاءوا ببلونات صغيرة من البلونات التي تحاكي ما يلعب به الأطفال وجعلوا يربطون بكل بلون منها عددا من تلك المناشير، ثم ينتظرون الريح إذا هبت صوب جهة مواقع الألمان أطلقوا تلك البلونات بأحمالها فتطير صعدا في الجو وتقطع مراحل شقة الحرام، ثم تسقط على مواقع الأعداء أو على مقربة منها فيلتقطها الجنود الألمان ويقرءون الرسائل ويتناقلون ما فيها من الأخبار الحقيقية التي تكتمها حكومتهم عنهم، والتي لا تسمح للصحف الألمانية إلا بنشر الشيء اليسير منها. •••
অজানা পৃষ্ঠা