قيل: إن بهرام جور ملك الفرس لم يرزق سوى ولد فأخذ في ترشيحه للملك وهو ساقط الهمة إلى أن اتفق المعلمون من الحكماء وغيرهم على أن لا نافع له غير العشق، فسلط عليه الجواري يعبثن به إلى أن علق بواحدة منهن، فأمرها الملك بالتجني عليه وأنها لا تطلب إلا رفيع الهمة ذا رغبة في العلم والملك، فكان بسبب ذلك من أجل ملوك الفرس وأعلمها.
قال بعضهم: العشق مجهول لا يعرف، ومعروف لا يجهل، هزله جد وجده هزل.
سأل المأمون ابن أكثم: ما العشق؟ فقال: سوانح للمرء تؤثرها النفس ويهيم بها القلب، وسأل ثمامة فقال: العشق جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب مالك وملك قاهر، مسالكه لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جائرة، ملك الأبدان وأرواحه، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها، وأعطي عنان طاعتها وقياد ملكها وقوى تصرفها، توارى عن الأبصار مدخله، وغمض في القلوب مسلكه، فقال له المأمون: أحسنت يا ثمامة، وأمر له بجائزة.
قيل لسعيد بن سالم: إن ابنك شرع في الرقيق من الشعر، فقال: لا بأس في ذلك فقد شرف وطرف ودق ورق. ووجد على صخرة مكتوبا: العشق ملك غشوم، مسلط ظلوم، دانت له القلوب وانقادت له الألباب وخضعت له النفوس، فالعقل أسيره، والنظر رسوله، واللحظ عامله، والتفكر جاسوسه، والشغف حاجبه، والهيام نائبه، بحر مستقره غامض، ويم تياره فائض، دقيق المسلك، عسير المخرج.
نظر رجل إلى معشوقته فغشي عليه، فقال حكيم: إنه من انفراج قلبه اضطرب جسمه. فقيل له: ما بالنا لا نكون كذلك عند النظر إلى أهلنا! فقال: محبة الأهل قلبية وهذه روحانية، فهي أدق وألطف وأعظم سريانا وفعلا. وقال الشاعر:
خيالك في عيني وذكرك في فمي
ومثواك في قلبي فأين تغيب
وقيل لبعض العلماء: إن ابنك قد عشق، فقال: الحمد لله، الآن رقت حواشيه، ولطفت معانيه، وملحت إشارته، وظرفت حركاته، وحسنت عباراته، وجلت شمائله، فواظب على المليح واجتنب القبيح .
وكانت العرب تفتخر بمن يطرق الحب قلبه حتى إن جواري بعض الخلفاء وغيرهم من العظماء كن يكتبن على العصائب وغيرها من البرد أبيات شعر تضمنت من الغزل أشهاه، ومن كئوس الأوصاف أرقه وأهناه، وإليك ذكر ما كتب على عصائب بعض الحسان:
قال أبو الحسن: دخلت على هارون الرشيد وعلى رأسه جوار كالتماثيل، فرأيت عصابة منظمة بالدر والياقوت مكتوب عليها بصفائح الذهب:
অজানা পৃষ্ঠা