175

نفسه أنه موفق للصواب في ادراك المصالح، وكان صاحب الهام من الله تعالى وقد أراد التخفيف عن النبي اشفاقا عليه من التعب الذي يلحقه بسبب املاء الكتاب في حال المرض والوجع وقد رأى رضي الله عنه أن ترك احضار الدواة والبياض أولى. وربما خشي أن يكتب النبي عليه السلام أمورا يعجز عنها الناس فيستحقون العقوبة بسبب ذلك، لانها تكون منصوصة لا سبيل إلى الاجتهاد فيها. ولعله خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب. لكونه في حال المرض فيصير سببا للفتنة، فقال: حسبنا كتاب الله لقوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) (214) وقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) (215) وكأنه رضي الله عنه أمن من ضلال الامة، حيث أكمل الله لها الدين وأتم عليها النعمة. قال رحمه الله: هذا جوابهم وهو كما ترى، لان قوله عليه السلام: لا تضلوا يفيد ان الامر أمر عزيمة وايجاب، لان السعي فيما يوجب الامن من الضلال واجب مع القدرة بلا ارتياب، واستياؤه صلى الله عليه وآله منهم، وقوله لهم قوموا حين لم يمتثلوا أمره دليل آخر على أن الامر انما كان للايجاب لا للمشورة. قال: [فان قلت:] لو كان واجبا ما تركه النبي عليه السلام بمجرد مخالفتهم، كما انه لم يترك التبليغ بسبب مخالفة الكافرين. فالجواب: أن هذا الكلام لو تم فانما يفيد كون كتابة ذلك الكتاب لم تكن واجبة على النبي بعد معارضتهم له عليه السلام، وهذا لا ينافي وجوب الاتيان بالدواة والبياض عليهم حين أمرهم النبي به، وبين لهم أن فائدته الامن من الضلال إذ الاصل في الامر انما هو الوجوب

---

(214) سورة الانعام: 38. (215) سورة المائدة آية: 3.

--- [158]

পৃষ্ঠা ১৫৭