ولقد كان المظنون أن حماسة نابوليون تنطفئ بعد حين، فيعود إلى اختيار العلاقات المعتادة بين ذوي التيجان وحليلاتهم، وهي على وجه عام لا تخلو من التحفظ والتكلف في معظم الأسر المالكة، على أن نابوليون لم يكن من تلك الطينة، بل كان يرمي قبل كل شيء إلى تأسيس بيت يسود فيه الحب وتعم الراحة، ولقد ساعدته ماري لويز بما أظهرت من سلاسة المقادة وسهولة الخلق، فكانت عيشتها راضية رغيدة، وليس ما قاله خصوم نابوليون عن «سوء معاملتها» إلا ضربا من الاختلاق قصدوا به أن ينتحلوا لها عذرا عن خيانتها لذاك الرجل العظيم بعد ما أصابه من الفشل في معركة واترلو بسبب تقصير أحد قواده، ولا يدلنا على حالة ماري لويز مع نابوليون مثل الكتب التي بعثت بها إلى اثنتين من أحب الناس إليها وأصدقهم ولاء لها، وهما الكونتس كولوريد والكونتس كرينفيل، وإليك شيئا مما ذكرته لهما بعد وصولها إلى كومبيين بشهر: «إن الله استجاب دعاءكما يوم زواجي، فعسى أن تنالا من السعادة ما أشعر به.»
ثم كتبت في يناير سنة 1811: «لا يسعني أن أتمنى لك شيئا أفضل من السعادة التي أتمتع بها ... يمكنك أن تتصوري أننا لا نعدم ملاهي وملذات في مدينة عظيمة كباريس، ولكن الساعات التي أقضيها مع الإمبراطور هي أحب الأوقات إلي وأطيبها لدي.»
ثم كتبت في مايو سنة 1811: «أرجو أن يصنع ابني - ملك روما - صنيع أبيه، فيسعد كل من يعرفه ويقترب منه ...»
ثم كتبت في 11 يونيو من تلك السنة: «إن حزني لمفارقة نابوليون يكدر صفاء السعادة التي أتمتع بها في عيلتي، فأنا لا أستطيع أن أكون مسرورة سعيدة إلا إذا كنت على مقربة منه ...»
وكتبت بعد أيام: «لا يسعني أن أكون قريرة العين مستريحة البال إلا حين أرى الإمبراطور، فالله أسأل أن يقيك مثل هذا الفراق، فإنه شديد أليم على القلب المحب ...»
وقالت في أكتوبر من السنة نفسها: «إن اليأس ينزل بقلبي إذا مر يوم واحد ولم يرد علي كتاب من الإمبراطور، وكلما وصل منه كتاب شعرت ببعض التعزية ولكن إلى حين ...»
وكتبت في 2 أكتوبر: «لي أمنية واحدة أسأل الله تحقيقها في وقت قريب هي عودة الإمبراطور، فإن وجود ابني نفسه لا يسليني ساعة واحدة عن أبيه ...»
وكتبت في 23 يوليو سنة 1813: «إني مسافرة إلى مايانس لأرى الإمبراطور، وإنه لمن السهل عليك أن تدركي مبلغ فرحي بدون أن أشرحه لك ...»
فأي منصف يطلع على تلك المكاتيب التي أرسلتها ماري لويز في تواريخ متباينة لاثنتين من رفيقات الصبا والصديقات الحميمات، ثم يسعه أن يأخذ أقوال أولئك الخصوم على علاتها؟
إن ماري لويز لو كانت سيئة الطالع متحرجة الصدر متشوقة إلى الخلاص من نابوليون وكانت تحذر مغبة التأفف والطعن عليه، لو كانت في مثل هذا المأزق الأليم لاختارت طريق الصبر الجميل وامتنعت عن المبالغة في شرح الأشواق.
অজানা পৃষ্ঠা