ومن آفاتها تأخيرها لغير عذر ومزاحمة الوقت بها لغير ضرورة وترك الجماعة، والتهاون حتى تفوت ركعة أو تكبيرة الإحرام، فقد قيل بوجوبها. وفي الصحيح (من صلى العشاء والصبح في جماعة لم يزل في ذمة الله حتى يمسي، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) .
وقد ذكر لي بعض العلماء عن بعض السجانين، أنه كان يسأل من يساق إليه عن هاتين الصلاتين، فلم يجد أحدا ممن دخل عنده صلاهما تلك الليلة جماعة مدة أربعين سنة. وقد سألت كثيرا ممن تقع عليه الدواهي فأجده مفرطا فيهما، وما وجدت أحدا قد أصابته مصيبة كبيرة ممن صلاهما، وما فاتتني منهما ركعة قط إلا رأيت أثرها في يومي، وفقنا الله للقيام بهما بمنه وكرمه.
وأركان الصلاة وعمدها بإجماع ثمانية: النية، والإحرام، والقراءة والقيام، والركوع، والسجود، والجلوس، والإنصراف.
فالنية: قصد وجه الله تعالى، بالعبادة المعينة، إقبالا عليها، وإعراضا عن غيرها، فإن اعترته وسوسة أجنبية دفعها، وإن كانت مما تقدم له قريبا، فقال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا لم يدخل في الصلاة بل لم يزل فيما كان فيه. وتجهيز عمر الجيش في الصلاة قيام بفرض في فرض.
وحكى بعض العلماء الإجماع على وجوب حضور القلب في الصلاة والإجماع على أنه لا يجب في كلها، بل في جزء منها، وينبغي أن يكون عند الإحرام، انتهى. وقال الإمام أبو حامد: النوافل جوابر الفرائض، فمن فاته الحضور مثلا في ركعة، صلى من النوافل ما يجتمع له فيه من الحضور قدر ما فاته فيها.
ويعين على الحضور فيها، الفكرة، قبلها، وإدمان الطهارة والحضور فيها، وخفة المعدة، واستواء القامة في القامة في القيام، وقراءة سورة الناس قبل دخولها.
ويدفعها بعد الحصول، أن يطعن بسبابته اليمنى في فخذه الأيسر والتزم في التكبير خمسا: جزمها فعلا، وإعرابا، واقتران لفظها بالنية، من غير وسوسة ولا تفريط، وإرسال اليدين معها، لا قبلها ولا بعدها، والاحتراز في ألفاظها من اللحن زيادة ونقصا، ووصلها بما بعدها من دعاء، أو قراءة، حسب المذهب، من غير تراخ حتى يجتمع الفكر فيها. ومن آفات القراءة: اللحن، والتكلف في المخارج والتطريب، والتلحين. فقد نهى رسول الله ﷺ عنها، وذم فاعلها.
ومنها: أن يدخل الصلاة، فيقف مفكرا فيما يقرأ من الآيات المناسبة، وهذا أيضا مذهب للخشوع مدخل للبدعة.
ومنها أن تكون له سور معلومة، لا يقرأ بغيرها، نحو: السماء ذات البروج في العصر، عملا بما ذكره بعضهم من أن خاصيتها: عدم الدماميل، والذي عندي أن كلامه ينبغي حملة على قراءتها بعد الصلاة، إذ البدعة شر كلها، والخير كله في اتباع السنة.
ومنها: أن يداوم على القراءة ببعض سورة، لما في ذلك من مخالفة الكمال في فضل العبادات.
ومنها: التعجيل في الركوع قبل الفراغ من القراءة، حتى ربما قرأ وهو راكع، وهذا مبطل، إن وقع في الفاتحة، عند الجمهور، ومنهي عنه في غيرها.
ومنها: التخفيف جدا لغرض الإمامة، والتطويل، حتى يذهب الخشوع، أو يؤذي من خلفه، والجهر فيما يسر فيه، حتى يؤذي محاذيه مع أن ذلك عند بعض العلماء يوجب نقصا تاما في الصلاة.
ومنها في الركوع: تخفيفه جدا أو تطويله جدا، والمسابقة بها قبل التكبير، والتكبير قبل الهوي له، والدعاء فيه، وإن جاز ذلك مع التسبيح.
ومنها في الرفع: تخفيفه، حتى لا يقع الاعتدال، أو تطويله حتى يبعد، والجهر فيما بعده من الأذكار، وذكرها عند من مذهبه إنكارها.
ومنها في السجود: التزام قانون واحد من دعاء أو تسبيح، والقراءة فيه، واتباع وساوس النفس، إذ الشيطان لا يوسوس حال السجود بل ينعزل بناحية يبكي كما جاء في الحديث، وعدم إطالته، أو تقصيره، أو ذكر أحد فيه، وإن جاز ذلك.
ومنها في الرفع: ترك اليدين في الأرض وإن أبيح بمذهب، وعدم استواء الجلسة وغن أجيز ببعض المذاهب، وترك وضع اليدين على الركبتين، إذ قيل بوجوبه، كالدعاء بين السجدتين رب اغفرلي، ونحوه من غير إفراط ولا تفريط.
ومنها في الجلوس: الإقعاء المنهي عنه بمذهبه وإن جاز ذلك عند غيره.
وفي القيام: الصفن، والصفد، والصلب والاختصار، ونقص القامة بحط الرأس إلى محل القدمين، والمأمور به: جعل البصر في محل السجود، وهو يقضي باستواء القامة في القيام.
1 / 2