ومنها: أكل السميط، لما علم من حال أصحابه، وأنهم لا يغسلون المذبح، فيتحلل الدم في الماء، ويخالط أجزاء اللحم، بحيث لا يمكن انفكاكه عنه والقول بطهارة الغسل، لا ينبغي العمل عليه، لما علم بالضرورة، من أن ما دخل بالنار لا يخرج بالماء، بل إن كان الماء باردا زاده شدة.
ومنها: أكل هذه النقانق، للجهل فيما يعمل فيها من البندق والحمص، ومقدار ما يدخلها عند القلي، وهذا بخلاف الهريسة، إذ ما فيها من اللحم مستهلك في القمح، ذكر ذلك ابن الحاج في مدخله.
وكان بعض المشايخ يأخذ من صدقة الزكاة، ولا يأخذ من صدقة التطوع، لأن ذلك مال الله، وكان بعضهم يأخذ التطوع ولا يأخذ الزكاة، لعدم التحقق بشروطها، وكل على هدى.
وقد قال النبي ﷺ: (إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي) وقد قال ﷺ: (من سأل وله أربعون درهم فقد ألحف) وقد قال: (من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)، وقال: (المسألة كلها كدوح إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان)، وقال: (ما جاءك من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه فإنما هو رزق ساقه الله إليك)، وقال: (من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله، ومن أخذها يريد أداءها أدى الله عنه)، وقال: (اليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول) وقال: (كفى المرء إثما أن يضيع من يعول)، وقال: (لأن يأخذ أحدكم حبلة يحتطب خير من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه)، قال العلماء: من وجد كفاية عن الأسباب فالله أغناه، وإلا فلا يجوز لأحد أن يقعد عن الأسباب اتكالا على الناس، وهو قادر على الاكتساب.
والشبع من الحلال مبدأ كل شر، فكيف به من الحرام، وقال سفيان: أشبع الونجي وكده وقال: كل ما شئت ولا تشرب، واجتمع رأي سبعين صديقا على أن كثرة النوم من كثرة شرب الماء.
وقال ﷺ: (حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث للطعام وثلث للماء وثلث للنفس) .
وحد الجوع المتوسع: أن تشتهي الخبز وحده، والجوع المفرط: أن تشتهي كل خبز.
وكثرة الشبع، تذهب الفطنة، وتفسد الذهن، وتعين على المعاصي فقد قيل: البطن إذا جاع شبع سائر الجسد، وإذا شبع جاع سائر الجسد، والجوع المفرط مفسدن للفكر، مقو للخيالات، مقس للقلب.
وليس من السنة البسلمة، والحمدلة، عند كل لقمة، بل المشروع الحديث على الطعام، إلا أن يغلب حال على رجل فيسلم له.
ويعين على الجوع أن يذكر الشخص كل يوم: يا صمد من غير شبيه، ولا شيء كمثله، ثلاثمائة وخمسين مرة، وأظن أنه إذا كتب لصاحب الخمر هذا العدد، وسقيه بماء الدوالي لم يشربه بعد، وكذا إذا سقي طرح الفاخت والحمام والله أعلم.
ويقرأ على الطعام، المخوف منه، سورة قريش ثلاثا، وعلى البطن، إذا خيف شبعها وجوعها سورة القدر، وإذا عطش على الريق وأراد شرب الماء، فليأكل، لقمة، ثم يقول على الماء: يا ماء، بئر زمزم يقرئك السلام، فإنه إذا شرب بعد ذلك لا يضره. ومما يعالج به عطش الليل إخراج الرجل من تحت اللحاف، ويدفع الحرارة المنصبة في البطن إخراج الريح من بين الأسنان.
ومن قبيح العوائد المبادرة بالأكل قبل الجماعة، والذوق عند نزول الطعام قبل توفر الدواعي إلى الأكل، وذلك مستفاد من قوة الشره، وقلة المروءة.
وآداب الأكل كثيرة، فمن أرادها فليطالع كتاب الأكل من الإحياء، ففيه ملح، وطرف، وآداب لا تكاد توجد في غيره، والله أعلم.
الغصن السادس المحارم القلبية والمحارم القلبية أربع: الريا: وأصله الطمع ودواؤه الورع.
والعجب: وأصله الكبر، ودواؤه رؤية المنة لله تعالى، وأنك لا تستحق شيئا من حيث أنت.
والبخل: وأصله خوف الفقر، وداواؤه العلم بأن الدنيا زائلة، وحالها حائل.
والغضب: وأصله رؤية النفس، ودواؤه النظر في مقبحاته فكرا، ونقلا.
فمن الكبر يتولد عدم الإنصاف، وبطر الحق، واحتقار الخلق، والترفع عن عباد الله، واتباع الهوى وإنكار الكرامات، وادعاؤها إلى غير ذلك.
ومن خوف الفقر، يتولد الحسد، والشح، والغصب، والتعدي، والسرقة، وأكل مال اليتيم، والربا، وأكل المال بالباطل، إلى غير ذلك من الإذايات المتعلقة بالمال.
ومن رؤية النفس، والشفقة عليها يتولد الحقد، والمكر، والخديعة، وطلب التشفي، ونحو ذلك.
1 / 14