لما تقدم ذكر النظر في تعريف الدليل بينه هنا بأنه الفكر الموصل بكسر الصاد إلى ظن حكم أو الموصل العلم أي يقين سواء كان علمًا بحكم أو ذات ومسجلًا بصيغة اسم المفعول اسم مصدر والنظر لغة يطلب على الانتظار وعلى رؤية العين وعلى المقابلة يقال: دار فلان تنظر لدار فلان، وفي اصطلاح المتكلمين التفكر والاعتبار في المنظور فيه ليستدل به على جماله تعالى وجلاله فخرج الفكر غير المؤدي إلى علم أو ظن كأكثر حديث النفس فلا يسمى نظرًا، وشمل التعريف النظر الصحيح القطعي والظني والفاسد فإنه يؤدي إلى علم أو ظن بواسطة اعتقاد أو ظن ومنهم من لا يستعمل التأدية إلا فيما يؤدي بنفسه، قاله المحلي وأورد عليه أن النظر الفاسد لا يؤدي إلى علم بل يستلزم الجهل وأجيب: بأن ما قيل فيه ذلك خال عن الاعتقاد، والظن بخلاف ما هنا قال زكرياء: نعم لك أن تقول سيأتي أن العلم لا يقبل التغيير فإن كان العلم الحاصل بذلك لا يتغير بتبين فساد النظر فذلك وإلا فليس علمًا وهو المختار فشمول النظر الفاسد لشرطه المذكور إنما يأتي في تأديته إلى الاعتقاد أو الظن لا إلى العلم.
الإدراك من غير قضا تصور ... ومعه تصديق وذا مشتهر
الإدراك لغة: وصول غاية الشيء ومنتهاه ومنه الدرك الأعلى والدرك الأسفل يقال أدركت الثمرة إذا وصلت وبلغت حد الكمال والتصور الإدراك أي وصول النفس إلى المعنى بتمامه من نسبة أو غيرها بلا حكم معه من إيقاع النسبة أو انتزاعها. أما وصول النفس إلى المعنى لا بتمامه فيسمى شعورًا كعلمنا بأن الملائكة أجسام لطيفة نورانية من غير أن ندرك حقيقة تلك الأجسام التي هي عليها والإدراك للنسبة وطرفيها مع الحكم المسبوق بالإدراك لتلك النسبة وطرفيها يسمى تصديقًا كإدراك الإنسان والكاتب وكون الكاتب ثابتًا للإنسان وإيقاع أن الكاتب ثابت للإنسان أو انتزاع ذلك أي نفيه فلابد من تقدم التصورات الثلاث على الحكم كما لابد من تقدم إدراك طرفي النسبة الذين هما المحكوم عليه والمحكوم به على إدراكها وتفسير الحكم بما تقدم هو ما عليه متأخروا المناطقة فهو فعل للنفس صادر عنها.
1 / 60