ما يمكن التوصل به بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري لأن مطالبهم يقينية والموصل إلى اليقين لا يكون ظنيًا، ومطالب الفقهاء عملية والعمل لا يتوقف على العلم وأيضًا فإن موضوع أصول علم الفقه الأدلة السمعية وهي تعم العلم والظن فلذلك عرفه الأصوليون بما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري والمراد التوصل بالقوة كما دل عليه التعبير بالإمكان فقد لا ينظر في الدليل ولا يخرجه ذلك عن كونه دليلًا وصحة النظر بأن ينظر فيه من الجهة التي من شأنها أن ينتقل الذهن بها إلى ذلك المطلوب المسماة وجه الدلالة، والخبري ما يخبر به بأن يكون كلامًا يصح السكوت عليه، والنظر هنا الفكر لا بقيد المؤدي إلى علم أو ظن حذرًا من التكرار إذ يصير التقدير ما يمكن به علم المطلوب الخبري وظنه بصحيح الفكر فيه المؤدي إلى علم أو ظن، والفكر حركة النفس في المعقولات وأما في المحسوسات فيسمى تخييلًا. فالدليل القطعي كالعالم لوجود الصانع والظني كالنار لوجود الدخان. وأقيموا الصلاة لوجوبها وجه الدلالة الحدوث في الأول والإحراق في الثاني والأمر في الثالث تقول: العالم حادث وكل حادث له صانع فالعالم له صانع، والنار شيء محرق وكل محرق له دخان فالنار لها دخان، وأقيموا الصلاة أمر بالصلاة وكل أمر بشيء لوجوبه. واحترز بالصحيح عن الفاسد فإنه لا يمكن التوصل به إلى المطلوب إذ ليس هو في نفسه سببًا للتوصل ولا آلة له وإن كان قد يفضي إليه على وجه الاتفاق كوضع ما ليس بدليل مكانه كوضع المقدمات غير المناسبة للمطلوب إما كلها أو بعضها مثل أن يكون المطلوب كون العالم حادثًا فيوضع مكان الدليل العالم متعجب وكل متعجب ضاحك قال في السلم:
وخطأ البرهان حيث وجدا ... في مادة أو صورة فالمبتدا
أما ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب تصوري فليس بدليل بل هو المعرف بكسر الراء ويسمى حدًا:
والنظر الموصل من فكر إلى ... ظن بحكم أو لعلم مسجلا
1 / 59