নাশাত হকুক ইনসান
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
জনগুলি
تعتمد حجتي على فكرة أن الاطلاع على قصص التعذيب أو روايات الرسائل كانت له تأثيرات مادية تحولت إلى تغيرات طرأت على المخ ثم ظهرت في صورة مفاهيم جديدة عن منظومة الحياة الاجتماعية والسياسية. فقد خلقت أنواع جديدة من القراءة (والمشاهدة والإنصات) تجارب فردية جديدة (التعاطف) أوجدت بدورها مفاهيم اجتماعية وسياسية جديدة (حقوق الإنسان). وأحاول في هذه الصفحات أن أزيل اللبس عن آلية عمل العملية. ولما أغفل مجال دراستي للتاريخ لزمن طويل أشكال النقاش النفسي كافة - فنحن المؤرخين نتحدث عادة عن الاختزال النفسي بينما لا نأتي قط على ذكر الاختزال الاجتماعي أو الثقافي - فقد أغفل إلى حد بعيد إمكانية إيراد حجة أو إجراء نقاش يقوم على سرد لما يدور بداخل النفس.
إنني أحاول الآن أن أعيد تركيز الانتباه على ما يدور في عقول الأفراد. وقد تبدو عقول الأفراد مكانا واضحا للبحث عن تفسير للتغيرات الاجتماعية والسياسية القادرة على إحداث التحول، ولكن عقول الأفراد - على خلاف عقول المفكرين والأدباء العظماء - قد أغفلت على نحو مثير للدهشة في أعمال العلوم البشرية والاجتماعية الحديثة. لقد انصب التركيز على السياقات الاجتماعية والثقافية، وليس على الطريقة التي بها تفهم عقول الأفراد هذه السياقات وتعيد تشكيلها. وأظن أن هذا التغير الاجتماعي والسياسي - الذي تمثله حقوق الإنسان في هذه الحالة - يحدث نتيجة لأن أفرادا كثيرين قد اجتازوا تجارب مشابهة، ليس لأنهم جميعا عاشوا في نفس السياق الاجتماعي، بل لأنه من خلال تفاعلاتهم بعضهم مع بعض وقراءتهم واطلاعهم خلقوا فعليا سياقا اجتماعيا جديدا. خلاصة القول أنني ما زلت عند رأيي أن أي قصة موضوعها تغير تاريخي لا بد أن تعلل في نهاية المطاف التغير الحادث في تفكير الأفراد، ولكي تصبح حقوق الإنسان حقوقا بديهية، اضطر الناس العاديون أن يعتنقوا مفاهيم جديدة ولدتها أنواع جديدة من المشاعر.
الفصل الأول
فيض المشاعر
قراءة الروايات وتخيل المساواة
قبل أن ينشر روسو كتابه «العقد الاجتماعي» بعام، جذب أنظار العالم إليه من خلال روايته الأكثر مبيعا «جولي، أو إلواز الجديدة» (1761). ومع أن القراء المعاصرين ينظرون أحيانا إلى الرواية الرسائلية أو المكتوبة في صورة خطابات على أنها بطيئة التطور على نحو مثير للضجر، فإن قراء القرن الثامن عشر تجاوبوا معها تجاوبا شعوريا عميقا، لقد أثار العنوان الفرعي توقعاتهم؛ ذلك لأن قصة العصور الوسطى التي تدور حول حب إلواز وأبلارد المقدر له الفشل كانت ذائعة الصيت، والتي فيها أغوى فيلسوف القرن الثاني عشر، رجل الإكليروس الكاثوليكي، بيتر أبلارد، تلميذته إلواز ودفع ثمن ذلك غاليا على يد عمها الذي أخصاه، وبعد أن انفصل الحبيبان إلى الأبد، أخذا يتبادلان خطابات الهيام التي أسرت ألباب القراء على مر العصور. وللوهلة الأولى بدت محاكاة روسو المعاصرة لهذه القصة الواقعية تشير إلى اتجاه مختلف تمام الاختلاف؛ فإلواز الجديدة، التي هي جولي في قصة روسو، تقع في غرام مدرسها أيضا، لكنها تتخلى عن حبيبها سانت برو المعدم نزولا على طلب والدها المتسلط بأن تتزوج من وولمار، الجندي الروسي الذي يكبرها سنا، والذي أنقذ حياة والدها ذات مرة. إنها لا تتغلب على مشاعرها تجاه سانت برو فحسب، بل تعلمت أيضا على ما يبدو أن تحبه كمجرد صديق قبل أن تموت بعد إنقاذ ابنها الصغير من الغرق. فهل قصد روسو في قصته أن يشيد برضوخها للسلطة الأبوية والزوجية، أم أنه رمى إلى تصوير تضحيتها برغباتها الخاصة على أنها مأساة؟
ولا تفسر الحبكة الدرامية - حتى مع الغموض الذي يشوبها - فيض المشاعر المتفجر الذي شعر به قراء روسو؛ فما حرك مشاعرهم هو توحدهم الشديد مع شخصيات الرواية، ولا سيما جولي. ولما كان روسو يحظى بالفعل بشهرة عالمية، فقد انتشرت أخبار اقتراب نشر روايته الجديدة كالنار في الهشيم؛ كان أحد أسباب هذا هو أنه قرأ فقرات منها على مسامع العديد من الأصدقاء، ومع أن فولتير هزأ منها واصفا إياها ب «النفاية البائسة»، فإن جان لو رون دي المبير، المحرر المساعد لدنيس ديدرو في «موسوعة الفنون والعلوم والحرف»، كتب إلى روسو يخبره أنه «التهم» الكتاب التهاما. وقد نبه روسو إلى أن يتوقع النقد في «بلد يسهب أبناؤه في الحديث عن الأحاسيس والمشاعر ولا يعرفون عنها إلا أقل القليل». أقرت صحيفة «دي سافانت» أن الرواية بها عيوب، بل بعض الفقرات المليئة بالإطناب، إلا أنها انتهت إلى أن قساة الأفئدة وحدهم هم من يستطيعون أن يقاوموا «فيض المشاعر الذي يجتاح النفس بشدة، والذي يعتصر من أعين الناس، بقوة قاهرة مستبدة، تلك الدموع المريرة».
1
كتب رجال الحاشية الملكية، ورجال دين، وعسكريون، وأناس عاديون من شتى مناحي الحياة إلى روسو يصفون شعورهم ب «نار مستعرة آكلة» تجتاحهم، و«تراكم لمشاعر متأججة واضطرابات متزايدة». روى أحدهم أنه لم يبك موت جولي، بل بالأحرى كان «يولول ويعوي كالحيوانات» (انظر الشكل رقم
1-1 ). وكما علق أحد معلقي القرن العشرين على هذه الخطابات التي بعثها القراء إلى روسو، فإن قراء الرواية في القرن الثامن عشر لم يقرءوها بسرور، بل ب «شغف، واهتياج، وتشنجات، وتنهدات». وظهرت الترجمة الإنجليزية في غضون شهرين من صدور النسخة الفرنسية الأصلية، وتبعها صدور عشر طبعات باللغة الإنجليزية في الفترة بين عامي 1761 و1800. وصدرت مائة وخمس عشرة طبعة من النسخة الفرنسية في نفس الفترة؛ لتسد الشهية الشرهة للجماهير من قراء الفرنسية في جميع أنحاء العالم.
অজানা পৃষ্ঠা