مينو :
هذا ما يبدو لي.
سقراط :
فإذا كانت الفضيلة نوعا من العلم أو المعرفة، فمن الممكن تعليمها؟
مينو :
بالطبع.
سقراط :
وهكذا ننتهي سراعا من هذا البحث الفرضي؛ فإذا كانت هذه هي طبيعة الفضيلة، فمن الممكن تعليمها، وإلا فلا.
في هذه الفقرة من محاورة «مينو»، وهي فقرة نعرضها هنا في صورة مختصرة، يناقش سقراط مسألة الفضيلة وهل هي علم. وكما فعل سقراط في محاورة أسبق ناقش فيها نفس هذه المسألة، وهي «بروتاجوراس»، فإنه لا يقدم إجابة واضحة بنعم أو لا، وهو لا يستطيع الوصول إلى جواب قاطع نظرا إلى استخدامه لكلمتي «المعرفة» والتعليم بمعنى مزدوج. إن سقراط يؤكد في كثير من الأحيان أنه لا يعلم أبدا، وإنما يقتصر على أن يساعد شخصا على رؤية الحقيقة بعينيه هو، والمنهج الذي يستخدمه هو توجيه الأسئلة. ويتعلم التلميذ لأن الأسئلة توجه انتباهه إلى نقاط معينة، وهكذا يعرف الجواب الصحيح بالتركيز على العوامل المتصلة بالموضوع، واستخلاص النتائج اللازمة. ومن هذا القبيل تعليم الهندسة اللازمة لبرهان معين يترك دائما للتلميذ، وكل ما يفعله المعلم هو أن يعينه على أداء أفعال الاستبصار هذه، ولكن إذا «تعلم» نتيجة لهذا المنهج المسمى بالمنهج الديالكتيكي، فإن من الممكن جدا أن يقال عن الشخص الذي يجعله يتعلم إنه «يعلم». والواقع أنه لو توسع سقراط في استخدام مصطلحه الغريب بحيث يمتد إلى مجال الهندسة، وأنكر إمكان تعليم الهندسة (وهو ما يفعله أحيانا)، لكان معنى ذلك أن الهندسة ليست معرفة (وهي نتيجة لا يستخلصها)؛ لذلك يبدو أن من الصواب تفسير رأي سقراط بالقول إنه يعني أن الفضيلة ضرب من المعرفة، بنفس المعنى الذي يمكن أن تسمى به الهندسة ضربا من المعرفة.
والواقع أن طريقة عرض سقراط ذاته للمشكلة تبرر هذا التفسير؛ فهو يريد أن يبين لمينو الطريقة التي يمكن بها حل المشكلات الأخلاقية، ويشير لهذا الغرض إلى عملية اكتساب المعرفة الهندسية، وعند هذه النقطة تدب الحياة في المحاورة في المشهد المذكور من قبل، الذي يعمل فيه سقراط على جعل عبد صغير يفهم نظرية هندسية؛ فهو يريد أن يضرب مثلا لرأيه القائل إن المرء ينبغي عليه، لكي يعرف ما الفضيلة وما الخير، أن يقوم بفعل استبصار من نفس النوع اللازم لفهم البراهين الهندسية. وهكذا تعرض الأحكام الأخلاقية كما لو كانت تكتشف بنوع خاص من الرؤية، مشابه للتبصر بالعلاقات الهندسية. وباستخدام هذه الحجة يقدم إلينا الاستبصار الأخلاقي على أنه مواز للاستبصار الهندسي؛ فإن كان ثمة معرفة هندسية، فلا بد أن تكون هناك أيضا معرفة أخلاقية؛ تلك هي النتيجة التي تبدو محتومة، عندما يتحرر المذهب السقراطي الأفلاطوني من ذلك المصطلح السفسطائي الذي يصاغ به؛ وبهذا المعنى يمكن التعبير عن هذا المذهب في القضية القائلة إن الفضيلة هي العلم.
অজানা পৃষ্ঠা