ويغلب على الظن أن ما تكون من نحو هذه الطبقة -فضلا عن قلته- كان شبه الرواية للمسموع، فلم تنبت بينهم فكرة القياس، ولم ينهض ما حدث في عهدهم من أخطاء إلى إحداث ثغرة خلاف بينهم لقرب عهد القوم بسلامة السليقة، كذلك لم تقو حركة التصنيف بينهم فلم يؤثر عنهم إلا بعض نتف في مواطن متفرقة من الفن لم تبلغ حد الكتب المنظمة إذ كان جل اعتمادهم على حفظهم في صدروهم ورواياتهم بلسانهم، وزعم بعض المؤرخين أن أستاذها أبا الأسود قد وضع مختصرا على ما تقدم بيانه.
أما الطبقة الثانية التي كانت أكثر عددا من سابقتها فقد كانت أوفر منها حظا في هذا الشأن، إذ وطأت لها سبيله فازدادت المباحث لديها، وأضافت كثيرا من القواعد، ونشأت حركة النقاش بينها فجدت في تتبع النصوص واستخراج الضوابط ما هيأ لها وقتها، واستطاعت التصنيف فدونت فيه بعض كتب مفيدة.
وكان من المشار إليهم فيها عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي الذي يقول فيه أبو الطيب: "وكان يقال عبد الله أعلم أهل البصرة وأعقلهم ففرع النحو وقاسه"١ وكان يخطئ الفرزدق كثيرا حتى هجاه، وستعرف تفصيل ذلك في ترجمته بمشيئة الله تعالى، "وعيسى بن عمر الثقفي صاحب الكتابين في النحو: الجامع والإكمال " وقد نوه عن فضلهما الخليل بن أحمد بقوله:
ذهب النحو جميعا كله ... غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع ... فهما للناس شمس وقمر
وأبو عمرو بن العلاء صاحب التصانيف الكثيرة على ما ستعرف في ترجمته، ورجال هذه الطبقة أظلتهم الدولة العباسية جميعا خلا عبد الله بن أبي إسحاق الذي مات سنة ١١٧هـ٢.
_________
١ مراتب النحويين/ ١٢.
٢ في النجوم الزاهرة: ذكر أن عبد الله بن أبي إسحاق صلى على صديقه حفص بن الوليد لما قتل سنة ١٢٨هـ وأنه أخذ النحو عن يحيى بن يعمر المتوفى سنة ١٢٩هـ فيبعد جدا أن يكون توفي سنة ١١٧هـ ويؤيد هذا أنه من رجال الطبقة الثانية ويحيى من الطبقة الأولى وقد جاء في بعض نسخ النجوم الزاهرة أنه توفي سنة ١٢٧ وفي بعضها أنه توفي سنة ١٢٩ ولعل هذا هو الصواب والله أعلم.
1 / 33