وذهبت فلم يعملا بالوصية، بل كسرا الأقلام، ومزقا الأوراق، واشتبكا من جديد.
فيئست الحورية وقالت: لا شيء يؤثر بهذين الشبلين، لا وعد ولا وعيد، ولا غنى ولا دلال، ولا أزهار ولا أثمار.
ثم وضعتهما على ركبتيها، وسكبت من عينيها الذهبيتين لؤلؤتين سقطتا؛ الواحدة على عنق سركيس الأبيض، والثانية على جبين أحمد الأسمر.
وفي تلك الدقيقة لامس الحنان قلبيهما، فتعانقا وبكيا، واختلطت دموعهما بدموع الحورية التي تبسمت وحلت وشاحها وألقته على الولدين وقالت بصوت كأنه آت من عالم بعيد: اتحدا كأخوين؛ الاتحاد سر القوة، والأخوة سر الهناء.
وغابت الحورية بين الأمواج ولم يرها سركيس، ولم ينظرها أحمد إلا في الأحلام، على أنهما حفظا لها الحب والجميل، وحافظا على وشاحها كما يحتفظ المسيحي عود الصليب، فكان لهما بياض الوشاح رمزا لحسن النية، وزرقته رمزا للأمانة، واحمراره رمزا للحب الخالص الكامل.
توقفت العجوز البيضاء عن الكلام، وسكت صوتها المتهدج، فاقترب منها صغير الأولاد وقال لها بلهجة الولد غير المصدق: وهل هذه الحكاية صحيحة يا جدتي؟
فتبسمت العجوز وقالت: يا ولدي، إن جدة أبي عاشت مائة سنة، وهي روت لي هذه الحكاية عن جدتها، وجدتها عن جدتها عن جدودها عن أساطير الأقدمين. والله أعلم.
ويومها العصيب ...
في يوم ممطر من الشتاء الماضي صعدت إلى الحافلة التي يسمونها الترام، شققت لي طريقا بين الصدور والمناكب وعليها المشمعات تقطر ماء، فوصلت إلى مقعد جلس عليه ثلاث سيدات، إحداهن آنسة كريمة تشتغل في إحدى الدوائر المحلية، وقفت حالما رأتني إلى جانب النافذة، وأشارت إلي أن أجلس في مكانها الصغير. - أشكرك لست تعبة. - أراك تتعبين من الوقوف في الترام، أما أنا فمنذ سنتين أقطع هذه المسافة أربع مرات في النهار، وكثيرا ما أقطعها واقفة. اجلسي.
نزلت من الترام وأنا أفكر بكل الموظفين والتجار والطلبة الذين يدخلون الترام أربع مرات في النهار، فيحشرون ويتذمرون ويظلون صابرين ...
অজানা পৃষ্ঠা