وجاءت جدتي وأبي وأناس كثيرون، وعلا الصراخ حولي، فحملني الكاهن الشيخ إلى البستان، وقال لي أشياء كثيرة، منها أنني أصبحت أما لإخوتي.
وهكذا طفرت ... عبرت طور الفتوة وطور الشباب ودخلت - أنا الولد اللعوب الطروب - في موكب الأمهات الرازحات تحت أثقال الحياة الشرقية المرة. •••
بعد أيام، بدأت نساء الحي تزحف تحت الظلام إلى بيتنا، وفي تلك الزاوية التي توسدها جسد أمي الشمعي جلسن إلى والدي وندبن حظه ووحدته وخراب بيته، ونصحنه أن يتزوج «حبا بأولاده».
ولا أزال أذكر وجه أبي يوم تزين ولبس ثوبا جديدا وحذاء جديدا، وذهب إلى عروسه الجديدة ... أذكر ذلك الوجه الضاحك لأول مرة، وتلك النظرات؛ تلك النظرات التي ما أرسلت إلى أمي إلا العبوسة، كانت ترقص في محاجرها سرورا وحبا!
ونظفوا البيت لأجل «العروس»، وأحضروا خادمة لطبخ الطعام؛ لأن «العروس» غير مجبرة أن تطبخ «لأولاده»، واشتروا لها تحفا وأثوابا ثمينة؛ لأن أبي يجب أن يبذل كي ترضى به «وبأولاده».
أما أنا فكنت عبدة لفكرتي، تلك المتسلطة علي، المتملكة مني، الآسرة كل قطرة من دمي، وكل ذرة من ذرات كياني، تلك الفكرة كانت شبح أمي الضئيل يسير في البيت ضئيلا، ويركع إلى السرير ضئيلا، ويجلس إلى الموقد ضئيلا، ويلف بأكفانه ضئيلا، وذارفا تلك القطرات الكبيرة التي بللت وجهي ساعة النزع!
قومي يا هند إلى إخوتك. كان صوت أبي يناديني في ليالي الشتاء الباردة آن يحضن الوالدون أولادهم وينام هؤلاء ملء جفونهم.
ويبكي الطفل - طفلها - فيرتفع صوت أبي ثانية: تعالي يا هند، هزي سرير أخيك، فأمشي والبرد يهز عظامي، وأسير إلى تلك الغرفة، وأجلس إلى السرير، فيذهب أبي إلى عروسه ويرتب الغطاء على كتفيها ثم ينام ...
في تلك الساعات كنت أرى الشبح المحبوب جاثيا إلى السرير، والقطرات الكبيرة تنهمر من عينيه الحزينتين. •••
يا هند، أوقدي النار، يا هند، هيئي المائدة، يا هند، امسحي حذاء أبيك، احملي الخبز إلى الفرن، انشري الثياب، اجمعيها عن الحبال، اعملي قهوة للزائرات، وأحضري أركيلة، أركيلتين يا هند! وإذ أسير لأصدع بالأوامر كان صوت يقول: ألا تسعفك في البيت؟
অজানা পৃষ্ঠা