117

أنت وطن يا مي بحياتك الفياضة التي إذا وزعت كان منها ألف ألف حياة؛ فلا تقولي - فدتك روحي: أين وطني؟

الإرادة عند السوريين1

في الأزمنة القديمة يوم كانت الشعوب تعبد قوات الطبيعة الغامضة، فتصورها بشكل منحوتات ذات أسماء مختلفة، كان الفينيقيون يقدسون - بنوع خاص - القوة الروحية، فمثلوها بشكل «هرقل»؛ ألبسوه جلد أسد رمزا إلى القوة.

ولم تكن هذه الآلهة القومية حامية المزروعات ومفرقة الخيرات إلا رمزا ناطقا بنشاط الشعب الفينيقي وإرادته وتفوقه في البحار.

وقد أقام الأقدمون لهذه الآلهة هيكلا عظيما في مدينة صور رآه هيرودوتس، ووصف عموديه الشهيرين فقال: إن أحدهما من الذهب الخالص، والثاني من الزمرد، والعمودان يلمعان ليلا بنور قوي ساطع.

أمام مذبح هذا الهيكل كانت وفود المدن والمستعمرات البعيدة تجيء كل سنة وتجدد قسم الاتحاد، مقدمة قواها وسلاحها لخدمة الوطن المشترك.

إن تاريخ هذا الشعب الذي بدون غزاة وجيوش احتلال أخضع لنفوذه ولمدنيته شطوط وجزر البحر المتوسط جمعاء، وتمكن بفضل مبادئه وتجارته من توحيد العالم القديم؛ لهو أجمل ما تمجد به إرادة الإنسان، وأفصح ما يعبر به عما تأتي به من العجائب، وهو يرينا أن العالم ليس للأقوياء ولا لكثيري العدد، بل هو لذوي العزم وذوي الإرادة، ويفسر لنا أسباب عظمتنا وانحطاطنا، وأحقية آمالنا، ويدلنا على وسائل النهوض وأولها: إيمان ثابت، وإرادة مطلقة.

هذا ما يقوله لنا كل فصل من فصول التاريخ، وكل صفحة من صفحاته.

إن نزعات إرادتنا خلال الدهور هي التي خطت لنا طريق الصعود أو الهبوط، ارتفعنا بارتفاع الإرادة وسقطنا بسقوطها.

ولعل الشبيبة المجتهدة المصغية إلي تقول: ألا يكفينا العلم للصعود إلى القمة؟

অজানা পৃষ্ঠা