ومي الجريئة تعالج أمور الشرق بجرأة ما عرفها الشرق، فتقبض بيدها على علة العلل، على الاتكالية المهرأة، البالية، وتقول بهذه البلاغة:
كلنا معجب بفصاحة القرآن، ونعزو إليه فصاحة العربية عند المسلمين، واستقامة لفظهم، وجمال منطوقهم، وفخامة أسلوبهم الكتابي؛ لأنهم يستظهرون آياته صغارا، ويستشهدون بها كبارا، إلا أن فصاحة الكتاب الحكيم وجماله قد عودا القوم الكسل الفكري، فصاروا إذا ما أرادوا الإفصاح عن رأي أو نظرة، أهملوا إجهاد القوى المولدة مطمئنين إلى ضرب آية قرآنية، أو حكمة شعرية مثلا، تاركين قرائحهم في حالة الجمود مستكنات، وعليها خيوط العنكبوت تخيم آمنات.
وما ألطفها إذ تستدرك:
بيد أن هذا الانتقاد الذي يصح على الأكثرية لا ينطبق على أقلية لبيبة، إن هي استعملت الآية القرآنية عند الحاجة فإن لها أسلوبها الخاص، وقد تنسج عباراتها على وزن عبارة القرآن بنزعة فطرية، واضعة ألفاظه لمعنى شخصي، وبشكل جديد يسترق السمع، ويستأثر بالمخيلة قبل أن يبلغ أفق الإدراك.
وبهذا اللطف نفسه تشرح أفكار باحثة البادية فتقول في صدد تعدد الزوجات:
العجز يجعلني قاصرة دون تشخيص هذه العلل الغريبة؛ لأنني فتاة مسيحية، ومهما تفهمت هذه الأوجاع بقلبي النسائي فإنها تظل عندي خيالية ليس غير.
ما ألطفها تتنصل من تشريح هذه العلة الغريبة عنها! ولكن هل هي غريبة عنها؟ وهل تعدد الزوجات محصور في طائفة من الناس دون سواهم؟ المرأة مظلومة في كل مكان، ووفرة الزوجات - على ما نعلم - شائعة في الغرب كما في الشرق. اسمعوا قلبها الوجيع ينتصر لنساء الأرض جميعا! اسمعوه يردد زفرات نساء العالم المعذبات ويئن:
يخاف الناس ويرجون، ويكرهون ويرغبون، وظلام الأمل مخيم عليهم، فيبحثون عن الأصدقاء والمساعدين والمؤيدين! ولكن أليس هؤلاء الذين نحبهم ونحتمي في قلوبهم من مكايد الأيام هم الذين يسكبون سيال الألم في كئوسنا صرفا، ويتفننون في التعذيب كأنما الطبيعة ائتمنتهم على أسراره.
أما كاتبة هذه السطور التي تجرب اليوم في خمس دقائق أن ترسم خطوطا صغيرة لذاتية مي الكبيرة، فإنها تعبد هذا السحر الحلال.
ومي الوديعة تتكلم في الأدب والشعر والاجتماع والعمران، تتكلم عن اطلاع جم وعلم صحيح، برسوخ ومتانة لا يفوقها فيهما أقوى الرجال حجة، ولكنها في كل مواقفها أديبة. أديبة ما سمعتها تتكلم إلا وفي صوتها رنة استفهام عميقة وكأني بها تقول: «لعلي مخطئة». بهذه الرقة تتقدم مي إلى المواضيع التي عالجها قاسم أمين فهز وادي النيل تلك الهزة العنيفة، فتبدي رأيها ولكن بعد أن تقول:
অজানা পৃষ্ঠা