فترقية اللغة أمر كمالي يأتي إلينا صاغرا بعد أن تنتظم أحوالنا الاقتصادية. وتأخرنا الاقتصادي هو عقدة العقد لا يحلها إلا الإنتاج، وزيادة صادراتنا على الواردات. وهذا النقص في الإنتاج لم يسببه الاحتلال الأوروبي، ولا الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، ولا تقسيم سوريا إلى إدارات مركزية، هذا النقص في الإنتاج سببه الكسل ثم الكسل ثم الكسل، فاقتصادياتنا تئن من الإهمال كما تئن لغتنا، وكما يئن كل شيء في بلادنا.
قلت: إن ترقية اللغة هو من الأمور الكمالية، فإذا أردنا أن نصل إلى الكماليات يجب أن نهتم بالأوليات، هل رأيتم رجلا يشتري أثاثا وتحفا قبل أن يستأجر بيتا يأوي وأهله إليه؟
فإذا وصلنا إلى ذلك اليوم السعيد الذي نتمكن فيه من الاهتمام بالكماليات، ننصرف إلى ترقية اللغة على الأسلوب الذي ستقرؤه أيها القارئ، ولكن بشرط أن لا تضحك: (1)
نقيم معاهد علم وطنية تعلم فيها كل العلوم الحديثة بلغتنا، وتفوق المعاهد الأجنبية الموجودة حاليا في البلاد؛ لتتمكن من مزاحمتها والقضاء عليها. (2)
نقيم هذه المعاهد بأموال الأمة؛ إذ لا يجب أن نمزح ونعتمد في هذا الأمر على الآباء اليسوعيين، ولا على عمدة الكلية الكرام، ولا أن نسترسل في المزاح - بل في الدلال - ونطلب من الحكومات الأوروبية، إفرنسية كانت في سوريا، أو إنكليزية في فلسطين، أن تبني لنا المعاهد الوطنية. (3)
نوجد مجمع علوم كبيرا، عدد أعضائه مائتان، بينهم الأطباء والكيماويون والمهندسون والفقهاء والموسيقيون والفنيون، فيتفرغون لترجمة ألوف المجلدات، ونقلها إلى اللغة العربية في كل فرع من العلوم الحديثة؛ وذلك لنتمكن من تعليم أولادنا كل العلوم باللغة العربية. (4)
تقوم الأمة بنفقات هؤلاء العلماء، لا أوروبا؛ لأن الغرب لا يعطينا قطعة نحاسية إلا ويدخل معها إلى نفوسنا ما يعادل وزنها من السم؛ فلكي لا نتشبع من السم الأوروبي، ولكي لا نتهم بنكران الجميل، وجب علينا أن نترك مهنة التسول.
هذه هي خير الوسائل لترقية اللغة العربية! ولما كانت هذه الوسائل صعبة لا تنال اليوم، وكانت الأمة تريد شيئا تضعه على النار - كما تقول العامة - فأنا أدل الذين تأكلهم الغيرة على اللغة على طريقة، وهي أن يقاطعوا المدارس الأجنبية بأن يتولوا أولادهم في بيوتهم، فهذه أحسن وسيلة نخبر بها هذه المدارس على الاهتمام بلغتنا.
ولما كان لا يوجد فينا شخص واحد يقدم على هذا الأمر؛ فإنني أنصح لقومي ... بالصبر و... بالسكوت، فهو أولى.
هذا وإنني أطلب من سيداتي أعضاء الجامعة أن لا يغضبن لكوني لم أقل: إن ترقية اللغة مسألة بسيطة، فكل شيء أهون من غضبكن يا سيداتي.
অজানা পৃষ্ঠা