4
عبر نابوليون بونابرت النيل ودخل القاهرة دخول الظافر الفاتح، ونزل في دار الألفي بك المطلة على بركة الأزبكية، وكان ذلك المنزل كما روى الجبرتي، في خط الساكت، وقد أنشأه محمد بك الألفي في السنة السابقة لدخول الفرنساويين وزخرفه وصرف عليه أموالا عظيمة، وفرشه بالرياش الفاخرة، فكأنه إنما كان يبنيه لأمير الفرنسيس، قال الشيخ الجبرتي: «ولما عدى كبيرهم، وسكن بالأزبكية لم يدخل المدينة إلا القليل منهم، فمشوا في الأسواق بغير سلاح ولا تعد بل صاروا يضاحكون الناس، ويشترون ما يحتاجون إليه بأغلى ثمن فيأخذ أحدهم الدجاجة ويعطي صاحبها في ثمنها ريال فرانسة، ويأخذ البيضة بنصف فضة، قياسا على أسعار بلادهم وأثمان بضائعهم.» وفات شيخنا الجبرتي أن أولئك الجنود قد امتلأت جيوبهم من ذهب المماليك وفضتهم، وأن الأموال التي يبتاعون بها البضائع ليست أموالهم! ثم قال: «فلما رأى منهم العامة ذلك أنسوا بهم واطمأنوا إليهم، وخرجوا لهم بالكعك والفطير والخبز والبيض والدجاج، وأنواع المأكولات وغير ذلك مثل السكر والصابون، والدخان والبن، وصاروا يبيعون لهم بما أحبوا من الأسعار، وفتح غالب السوق الحوانيت والقهاوي.»
ولنأت هنا على وصف كاتب فرنسي للأيام الأولى التي أعقبت دخول نابوليون مدينة القاهرة، وما أسرع في إصداره من الأوامر وتنفيذه من الأعمال ما ليس له أثر في المصادر العربية قال:
في 25 يوليه دخل القائد العام القاهرة ونزل في بيت الألفي بك الكائن بميدان الأزبكية والواقع طرف المدينة، وكان لهذا البيت حديقة جميلة تتصل من الجهة الخلاء ببولاق ومصر القديمة.
ولم يكد يستقر في هذا البيت، هو وأركان حربه حتى وجه عنايته للاعتناء بالمرضى والجرحى والنظر فيما يعود على الجند بالراحة والرفاهية، فأمر بأن ينشأ في أقل من ثمانية أيام مستشفى في بولاق لمائتي جريح، وآخر في مصر القديمة لمائتي مريض، وثالث في الجيزة لمائة من المرضى، ورابع في القاهرة لمائة آخرين، وأن يبني في الجيزة فرن ومخبز لكل قسم من إدارة الجيش، وفي بولاق ستة أفران ومخبز، وفي القاهرة ثلاثة أفران ومخبز، وأصدر أمرا خاصا بأن يكون الخبز الذي يقدم للجند من الدقيق النقي الذي لا يشوبه شيء غير دقيق الحنطة.
ولكي يحمي الأهالي ويؤمن المغلوبين على أمرهم صرح للقوافل بالمجيء بدون خوف إلى مصر، ورفع الحصار البحري عن الإسكندرية ليدع السفن التركية تدخل إليها، وليجعل التجارة حرة كالعادة.
وأصدر منشورا حث فيه العرب على الإخلاد إلى السكينة، وأن لا يحرجوا صدور الفرنسيس بقتالهم إياهم، وجعل العرب تحت حمايته ورعايته كأهل مصر، ونظم جيشا من الجنود الأتراك مؤلفا من خمس فصائل يبلغ عدد رجال كل منها 65 رجلا ووضعهم تحت قيادة الجنرال دبوي.
وصرح لنساء البكوات والمماليك اللواتي كن يهمن على وجوههن في ضواحي القاهرة بالعودة إلى منازلهن، وأن يضعن أيديهن على أملاكهن، وقال في هذا الشأن:
لما رأى القائد العام أن نساء البكوات والمماليك اللواتي يهمن على وجوههن في ضواحي القاهرة قد يقعن فرائس لرجال العرب، أخذته الشفقة التي يتحلى بها الرجل فأذن لكل نساء البكوات والمماليك بالعودة إلى المدينة، والإقامة في منازلهن التي هي ملك لهن واعدا إياهن بالأمان. ا.ه.
وطلب من كبار المشايخ أن يصدروا منشورا فأطاعوا وأصدروا منشورا نصحوا فيه المصريين بالخضوع لمن أرسله الله سبحانه وتعالى لإنقاذهم، هذا الرجل الذي يحترم النبي
অজানা পৃষ্ঠা