لم تمنع أخلاق المماليك الفاسدة، ومطامعهم ومظالمهم، من أن يوجد بينهم من آن لآخر، بعض ذوي الكرامة وأصحاب التدبير، وأن يوجد بينهم من ذوي الرغبة في إصلاح أحوال البلاد، ورفع المظالم عن الأمة، فقد روى الشيخ عبد الرحمن الجبرتي وغيره من الرواة، عن إسماعيل بك أيواظ، وهو ابن أيواظ بك القاسمي، الذي قتل في إحدى فتنهم، مع نحو سبعمائة من رجاله في «الرميلة» بتحريضات والي الدولة، كما سبقت إلى ذلك الإشارة، ولي ولده المشار إليه، وسار في إمارة الحج ثم اشتطت نار الفتنة فهرب واختفى، ثم عاد، وبعد فتنة أخرى استقرت له السيادة المطلقة فعلا في القطر المصري نحو ستة عشر عاما إلى أن قتل غدرا في ديوانه بتحريض من الوالي أيضا، وقال الجبرتي عن إسماعيل بك هذا: «إن أيامه كانت سعيدة، وأفعاله حميدة، والإقليم في أمن وأمان، من قطاع الطريق وأولاد الحرام، وكان صاحب عقل وتدبير وسياسة في الحكام، وفطانة ورئاسة وفراسة في الأمور.» وذكر الجبرتي وهو ثقة فيما رواه عنه عدة روايات تدل على عدل إسماعيل بك، وكرم أخلاقه، وبعده عن نقائص المماليك أمثاله، فمما ذكره عنه أنه جدد سقف الجامع الأزهر، وكان قد آل إلى السقوط، وأنشأ مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي بدسوق، ومسجد سيدي علي المليجي بمليج، ومن مآثره عن نفس صاحب الرواية أنه كان يرسل غلال الحرمين في أوانها، ويجعل في بندر السويس والمويلح وينبع، غلال سنة قابلة في الشون، لكي تشحن السفائن وتسافر في أوانها، ثم يرسل خلافها على هذا النحو، قال الشيخ الجبرتي: ولما مات سنة 1136ه، ووصل خبر نعيه إلى أهل الحجاز، حزنوا عليه وصلوا عليه صلاة الغيبة عند الكعبة، وكذلك فعل أهل المدينة فصلوا عليه بين المنبر والمقام، ومات صغير السن على روايتين للجبرتي فهو يقول مرة في الثامنة والعشرين، ولكنه بعد أن ذكر أنه تولى الأحكام وعمره ستة عشر عاما، وأنه حكم البلاد ستة عشر عاما وطلع أمير الحج ست مرات، وهذا خلط من الجبرتي، قال: ورثاه الشعراء ثم ذكر في كتابه قصائد مطولة خير ما فيها قول بعضهم:
وكان جديرا بالرئاسة والعلا
فقد سار فينا سيرة سارها عمر
وكان له حزم ورأي ومنعة
ولكن إذا جاء القضاء عمي البصر
به غدر الجبار جركس ماكرا
فعما قليل سوف يجزى بما مكر
وكأنما ألف الناس قتل الأمراء بعضهم واحدا بعد واحد، فلهذا أشار الشاعر ببساطة «فعما قليل سوف يجزى بما مكر» وأغرب من هذا أن شاعرا آخر من شعراء ذلك الزمن رثى إسماعيل بك هذا بأبيات، يقول في ختامها:
ولا بد أن الله يأخذ من سطا
عليه بتاريخ «سيقتل قاتله»
অজানা পৃষ্ঠা