নেপোলিয়ান মিশরে

আহমাদ হাফিজ আওয়াদ d. 1369 AH
118

নেপোলিয়ান মিশরে

نابوليون بونابارت في مصر

জনগুলি

رحمك الله يا شيخ جبرتي وبرد ثراك! لو عشت لرأيت أن عقول أولاد أحفادك وسعت أكثر من ذلك! وما هو إلا جهل الحكام، واستبداد الظلمة الذي جعلك تتصور استحالة إدراك تلك المبادئ من العلوم، علوم أولئك الذين كانوا همجا وبرابرة، في الوقت الذي كانت مدارس بغداد وقرطبة وسمرقند والقاهرة نفسها، تفيض بالعلم وبالنور!! وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون.

وهنا يجب أن نقول إن الحملة الفرنسية إن كانت قد فشلت من حيث هي، ولم تخلف وراءها لدى المصريين سوى الآثار المحزنة، والتذكارات المؤلمة، إلا أن العمل العلمي الذي قام به رجال البعثة العلمية من بحث وفحص وتأليف وتصوير مما سنأتي على خلاصة وافية له في المكان اللائق به، قد غطى على تلك العيوب وأبقى إلى اليوم أثرا علميا فاخرا باهرا، إن لم يكن قد أفادنا من وجهة مباشرة فائدة مادية علمية، وحتى وإن لم تستفد منه فرنسا ما أملته، إلا أن ذلك لا يمنع من الاعتراف بأنه عمل تطاطئ أمامه الرءوس إجلالا وإكبارا. (6) الاستعداد الحربي

لم يكن ليخفى على نابوليون أنه في مصر محاط بالأعداء من الجنوب والشمال والشرق والغرب، ففي الجنوب مراد بك ومعه قوة كبيرة من المماليك تعضده العربان الهوارة وعرب الحجاز أيضا، وقد وقف الفراء على مطاردتهم لمراد بك في الفصل السابق، ومن الشمال الأساطيل الإنكليزية تمر ذاهبة وآتية تقطع عليه السبيل، بل وتحصره ومن معه حصرا تجاريا وعسكريا، ولا يزال إبراهيم بك ومن معه من المماليك على حدوده الشرقية، في أول بلاد الشام، وكذلك عرب درنة وقبائل البدو من أولاد علي والهنادي يناوشونه ورجاله من آن لآخر، فلذلك وجه نابوليون همته إلى تحصين البلاد وإقامة الطوابي والحصون حول القاهرة.

وقد ابتدأ الإنكليز يدسون له الدسائس ويحرضون عليه الأتراك، قال الجبرتي في حوادث شهر ربيع الثاني: «وفي ثالثة «الجمعة 14 سبتمبر» حضرت مكاتبة من إبراهيم بك خطابا للمشايخ وغيرهم مضمونها: إنكم تكونون مطمئنين ومحافظين على أنفسكم والرعية وإن حضرة مولانا السلطان وجه لنا عساكر وإن شاء الله عن قريب سنحضر عندكم، فلما وردت تلك المكاتبة وقد كان سأل عنها بونابرت فأرسلوها له وقرئت عليه فقال: المماليك كذابون.» ثم لم يكن ليخفى على بونابرت أيضا أنه على الرغم من كل ما عمله من أسباب التودد والتقرب إلى المصريين، فإن التوفيق بين الفريقين لا يزال بعيدا ... وكيف يتصور عكس ذلك ولديه في كل وقت شاهد على ميل المصريين للعثمانيين؟؟ فمن الحوادث التي لا يخفى معناها على مثله أن أحد الأغوات الأتراك حضر من الإسكندرية في ذلك التاريخ بقصد زيارة المشهد الحسيني قال الجبرتي: «فشاهده الناس واستغربوا هيئته، وفرحوا برؤيته، وقالوا: هذا رسول الحي! «تأمل هذا التعبير» حضر من عند السلطان بجواب للفرنسيس يأمرمهم بالخروج من مصر «وتأمل هذا أيضا»، فاختلفت روايات الناس وآراؤهم وأخبارهم وتجمعوا بالمشهد الحسيني وتبع بعضهم بعضا، وصادف أن بونابرت في ذلك الوقت بلغه مما نقل وتناقل بين الناس من أنه ورد مكتوب إلى المشايخ أيضا وأخفوه فركب من فوره وحضر إلى بيت الشيخ السادات بالمشهد الحسيني، ثم جلس مقدار ساعة وركب ومر بعسكر من باب المشهد والناس قد كثر ازدحامهم بالجمع والخطة «بسبب ذلك الأغا» وهم يلغطون ويخلطون، فلما نظروه وشاهد هو جمعيتهم داخله أمر من ذلك فصاحوا بأجمعهم وقالوا بصوت عال «الفاتحة»، فشخص إليهم وصار يسأل من معه عن ازدحامهم فلطفوا له القول، وقالوا له: إنهم يدعون لك! وذهب إلى داره وكادت تنشأ من ذلك فتنة.»

فلا غرابة إذا رأينا نابوليون يعمل جهده لتحصين القاهرة، وحث رجاله وأهل العلم منهم، على الإسراع في تحضير الأدوات الحربية، وصناعة البارود والقنابل وأصدر أمره بإخراج سكان القلعة من منازلهم، والسكنى بالمدينة، قال الجبرتي في حوادث شهر ربيع للثاني:

وأصعدوا إلى القلعة مدافع ركزوها بعدة مواضيع وهدموا أبنية كثيرة وشرعوا في بناء حيطان وكرانك وأسوار وهدموا قصر صلاح الدين، ومحاسن الملوك والسلاطين، ذوات الأركان الشاهقة، والأعمدة الباسقة.

وكان من مقتضى الحيطة العسكرية إزاء تحريضات إبراهيم بك أن يتخذ نابوليون خطة التشديد في مراقبة القادمين من الأغراب، منعا لنقل، الأخبار قال الجبرتي في حوادث هذا الشهر أيضا: «إنهم نبهوا على الأغراب من المغاربة وغيرهم والخدامين الباطلين ليسافروا إلى بلادهم، فذهب جماعة منهم إلى بونابرت، وقالوا له: إن السفر غير ممكن؛ لأن طريق البر غير مأمون وسفن الإنكليز في البحر تقطع عليهم الطريق.» ويظهر أن العبارة الأخيرة حركت أشجان نابوليون من جهة وافحمته من أخرى، فتركهم وشأنهم واكتفى بأن أصدر أمره أن لا يخرج أحد من البلد إلا بجواز من محافظ المدينة، ولا يسمح لغريب بالدخول إليها إلا بعد التحقق من أمره، ومما رواه الجبرتي في حوادث ربيع الثاني أنهم قتلوا شخصين وطافوا برأسيهما ينادون ويقولون: «هذا جزاء من يأتي بمكاتيب من عند المماليك أو يذهب إليهم بمكاتيب.»

واشتد نابوليون في معاملة كل من يعلم عنه أنه يكتب للمماليك، أو يتلقى منهم الرسائل، أو يبعث لهم بالمعونة المالية، وأخذ الناس بالشبهة وسعى بعض المفسدين في إيذاء الرجال والنساء أيضا بهذه الوسيلة، مثل ما حدث لزوجة عثمان بيك الطمنبرجي «أو الطنبورجي» الذي كان من كبار المماليك وفر مع مراد بك إلى الصعيد، فإنه اتصل بالجنرال «دبوي» أنها ستبعث مع خادم لها خمسمائة محبوب لإيصالها إلى زوجها، فبعث «دبوي» إليها فاستغاثت بالشيخ المهدي والشيخ السرسي فذهبا معها، ومع ذلك، ومع عدم ثبوت شيء ضدها، ومع الحاح المشايخ في الإفراج عنها والمبيت بدار الحاكم الفرنسي بدلا عنها، فإن الجنرال «دبوي» قال: «نو نو.» «كما رواها الجبرتي حرفيا» فباتت عندهم وتلطف الجبرتي فقال: «وصحبتها جماعة من النساء المسلمات والنساء الإفرنجيات.» ومع ذلك فإنهم، بعد رجاء القاضي الكبير وكتخدا الباشا والمشايخ لدى نابوليون نفسه، أطلقوا سراحها في مقابل دفع ثلاثة آلاف ريال فرنسية «ستمائة جنيه».

ولقد كان الجنرال «ديبوي» هذا أول من سقط قتيلا في ثورة الأهالي ضد الفرنساويين!! ولاحت للفرنساويين فرصة يلقون بها على المصريين مثلا قاسيا، ودرسا ثقيلا، فقد علم القارئ أن السيد محمد كريم السكندري، الذي كان محافظا للإسكندرية أو مديرا للجمارك عند قدوم الفرنساويين، وسلم إليهم وصافاهم، وخدمهم ولكنه، كما سبق لنا القول غدر بهم وبعث بالكتب من وراء ظهورهم إلى مراد بك، ولا شك في أن الذي حمل السيد كريم على ذلك هو حبه في أخذ الحيطة لنفسه، ولأن الفرنساويين قد غلوا يده عن المكاسب والمظالم في إسكندرية، ولا عبرة بما يقال غير ذلك، ولم يذكر مؤرخو الفرنسيين كيف وقعت رسائل السيد محمد كريم في يد نابوليون وكل ما ذكروه أن نابوليون أمر بإلقاء القبض عليه وإحضاره إلى القاهرة ... وإلى القارئ نص الأمر الذي كتبه بونابرت لمحاكمته «محفوظات نابوليون ورقة نمرة 3247».

إلى الجنرال ديبوي (25 أغسطس 1798)

অজানা পৃষ্ঠা