أجناسها وأنواعها. والقوة المخيلة قادرة على أفعالها في جميع الأحوال، إلا أنها لا تتصور الأشياء باختيارها، لأنها ليست قوة إرادية. وإن كان الأعمى قد ولد أكمة ولم ير الوجود ولا ما فيه من المرئيات فهذا يرى الأحوال التي يقابلها ويباشرها. كما أنه يرى أنه يأكل أو أنه يشرب أو أنه راكب على فرس أو حمار أو أنه يخاصم آخر، إلى غير ذلك من الأحوال التي يباشرها. وقد قال الرئيس ابن سينا: إن المولود يضحك بعد الأربعين يومًا، ويرى الرؤيا بعد أربعة اشهر.
قلت: الظاهر أنه ما يرى إلا انه يرضع ثدي أمه. فإنا نشاهد كثيرًا من الأطفال يكون نائمًا وهو يرضع، ولا ثدي في فمه. وكذلك نرى كثيرًا من الخيل وهو واقف نائمًا، ثم إنه في أثناء ذلك يصهل وهو نائم، كأنه يرى أنه بين خيل يألفها أو ما أشبه ذلك. وقال أرسطو في كتاب الحيوان: إن الكلاب ترى الأحلام في منامها. وأما أن الأعمى الذي ولد أكمة ولم ير العالم فإنه لا يرى في نومه شمسًا ولا قمرًا ولا نجومًا ولا سماءً ولا أشجارًا ولا بحارًا ولا غير ذلك مما لم ترسمه المخيلة منه فهذا هو وجه الصواب في هذه المسالة على ما فصلته والله أعلم.
علاوة قال العابرون: من رأى في منامه أنه عمي دلت رؤياه على الغنى وإن حلف يمينًا لم يحنث، لقوله تعالى: ليس على الأعمى حرج.
ومن رأى أنه أعمى فإنه ينسى القرآن، لقوله تعالى: قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى.
ومن رأى أن إنسانًا أعماه فإنه يضله. وغن كان كافرًا فرأى أن إنسانًا أعماه فإنه يزيله عن رأيه.
قالوا: والأعمى رجل فقير يعمل أعمالًا لا تضر به في دينه لسبب فقره. فإن رأى كافرًا أنه أعمى فإنه يصيب خسرانًا أو غرمًا أو همًا.
فإن رأى أنه أعمى ملفوف في ثياب جدد فإنه يموت.
قالوا: ومن رأى أنه أعمى فإن عليه غزوة أو حجة، لقوله تعالى: ولله على الناس حج البيت. فإن رأى أعمى أن ساقيًا سقاه شرابًا فإن الساقي يرشده إلى منافع تنزل به ويتوب ويتمول.
1 / 17