أنا أكتب للمرأة التي تتأثر وتبكي؛ لأن البكاء في المرأة هو عنوان لشدة نفسها وقوة قلبها، فسلام على العيون الدامعة، وإجلال للقلوب الرقيقة النابضة بالحنو، طوبى لليد الناعمة التي ترتجف من وراء اختلاج العواطف المنبثقة من الأزل ولم يقتلها ضلال الناس وزخارفهم وأمجادهم الباطلة.
إن المرأة التي لا تسمع نداء الأدب ولا تفهم كلام الفلسفة، فهي جاهلة متقهقرة، أما الأم التي لا تسمع نداء الطفل فهي مجرمة تستحق الاحتقار.
هل عرفت أيتها القارئة مبدأ الغيرة السامية التي تدفقت من حديث الطفل المعترف بأدق ما يشعر؟
ليس الولد غيورا عن أنانية يولدها ضلال الإحساس؛ لأنه أقرب الكائنات إلى الأزل، فشعوره عادل طاهر لم تكيفه الاعتقادات البشرية، ولهذا فغيرة الولد هي غيرة النفس على حقوقها المكتوبة في شريعة الوجدان.
لما كتبت عن واجبات المرأة كعقيلة لم أجد بدا من تحديدها؛ لأنها تترواح بين اعتقاد الزوج وأميال الزوجة، كتبت وحددت لأن الألفة المنقلبة بشرائعها وأوهامها كانت ولم تزل تعطي للرجل وللمرأة دورا فدورا حقوقا جائرة وحرية ظالمة، فرجعت بوجداني المجرد إلى مبدأ العواطف إلى النفس، وأخرجت منها شريعة التفاهم والعدالة التي يجب أن يعتبرها كل زوج وزوجة يطلبان السعادة بالحب والمجد الحقيقي بالحياة.
أما الآن وأنا أكتب عن الأم فأجدني واقفا بين كائنين؛ الأول: معرض للضلال بالأهواء ومحبة الجمال الزائل، والثاني: لا يعرف مبدأ لشعوره غير ما غرسه الله في قلبه، فلا أجد موجبا للرجوع إلى نفسي واستنتاج شريعة الأمومة من وجدانها المجرد، لماذا أكتب عن واجبات الأم وقرب كل أم ولد كتبت شريعة الأمومة بكل حركاته وسكناته، كتبت على جبينه وعلى ابتسامته، حفرت على لفتاته وسالت على خديه مع دموعه.
أيتها الأم إذا كنت تريدين معرفة ما يجب عليك نحو ابنك فتنازلي من علو زخرفتك وحبك للهو إلى ملاحظة ما تظهره أعمالك على أسارير وجهه، وعلى تلك الصفحة المقدسة طالعي وصايا الفضيلة التي حفرتها أصبع الله.
انظري أيتها الأم كيف يتململ ولدك حينما يراك تفرقين ابتساماتك إلى كل من حولك ... انتبهي إلى حركته الموجعة حينما يقترب إليك غريب ليهمس في أذنك كلاما لا يسمعه ولو سمعه لما فهم منه شيئا! ...
انظري أيتها الأم إلى ابنك تسيل الدموع من عينيه حينما يخطر لك أن تبارحي البيت قصد التنزه وحدك، اسمعي زفيره وافهمي منه ما يقول: «لا تذهبي وحدك يا أماه، خذيني معك فأكون لك حلية كهذه الحلي التي تفتخرين بها، بل أكون أشد لمعانا منها، ولكنني أحرسك كعاطفة مقدسة أرد عنك هجمات الشر كجناح كله قوات سماوية، مناغاة من فمي تطرد الأبالس من حولك، وابتسامة من شفتي تبدد أرواح الشر التي تريد الإيقاع بك، دمعة من عيني تذكرك بعهدك وإيمانك، خذيني معك؛ لأن ضعفي أقوى من سلاح الجنود ولفتاتي أرهب من حكم القضاة.»
ولكنك أيتها الأم قلما تسمعين لهذا الهاتف الذي يدوي من السحاب بقوة الألوهية، فيصل إلى أذنك المصغية لضجيج الاجتماعات المضلة كأنه صراع مزعج يدفعك إلى الهرب ...
অজানা পৃষ্ঠা