217

فصل في أن المحرك الأول كيف يحرك وأنه محرك على سبيل التشويق إلى الاقتداء بأمره الأولى لاكتساب تشبه بالعقل

والذي يحرك المحرك من غير أن يتغير بقصد واستئناف فهو الغاية والغرض الذي إليه ينحو المحرك وهو المعشوق والمعشوق بما هو معشوق هو الخير عند العاشق بل نقول إن كل محرك حركة غير قسرية فهو إلى أمر ما وتشوق أمر ما حتى الطبيعة فإن معشوق الطبيعة أمر طبيعي وهو الكمال الذاتي للجسم إما في صورته وإما في أينه ووضعه ومعشوق الارادة أمر إرادي إما إرادة لمطلوب حسي كاللذة أو وهمي خيالي كالغلبة أو ظني وهو الخبر المظنون وطالب اللذة هو الشهوة وطالب الغلبة هو الغضب وطالب الخير المظنون هو الظن وطالب الخير الحقيقي المحض هو العقل ويسمى هذا الطلب اختيارا. والشهوة والغضب غير ملائم لجوهر الجسم الذي لا يتغير ولا ينفعل فإنه لا يستحيل إلى حال غير ملائمة فيرجع إلى حال ملائمة فيلتذ أو ينتقم من مخيل له فيغضب على أن كل حركة إلى لذيذ أو غلبة فهي متناهية وأيضا فإن أكثر المظنون لا يبقى مظنونا سرمديا فوجب أن يكون مبدأ هذه الحركة اختيارا وإرادة لخير حقيقي ولا يخلو ذلك الخير إما أن يكون مما ينال بالحركة فيوصل إليه أو يكون خيرا ليس جوهره مما ينال بوجه بل هو مباين ولا يجوز أن يكون ذلك الخير من كمالات الجوهر المتحرك فيناله بالحركة وإلا لانقطعت الحركة ولا يجوز أن يكون متحركا ليفعل فعلا يكتسب بذلك الفعل كمالا كما من شأننا أن نجود لنمدح ونحسن الأفعال لتحدث لنا ملكة فاضلة أو نصير خيرين وذلك لأن المفعول يكتسب كماله من فاعله فمحال أن يعود فيكمل جوهر فاعله فإن كمال المفعول المعلول أخس من كمال العلة الفاعلة والأخس لا يكسب الأشرف وإلا كمل كمالا بل عسى أن يهيء الأخس للأفضل آلته ومادته حتى يوجد هو في بعض الأشياء عن سبب آخر - وأما نحن فإن المدح الذي نطلبه ونرغب فيه هو كمال غير حقيقي بل مظنون. والملكة الفاضلة التي نحصلها بالفعل ليس سببها الفعل بل الفعل يمنع ضدها ويهيء لها المادة وتحدث هذه الملكة من الجوهر المكمل لأنفس الناس وهو العقل الفعال أو جوهر آخر يشبهه. وعلى هذا فإن الحرارة المعتدلة سبب لوجود القوى النفسانية ولكن على أنها مهيأة للمادة لا موجدة وكلامنا في الموجد ثم بالجملة إذا كان الفعل تهيأ ليوجد كمالا انتهت الحركة عند حصوله فبقي أن يكون الخير المطلوب بالحركة خيرا قائما بذاته ليس من شأنه أن ينال وكل خير هذا شأنه فإنما يطلب العقل التشبه به بمقدار الامكان. والتشبه

পৃষ্ঠা ২১৭