ولم يطل النقاش فما لبث لمبرو أن جاء وسأله سويلم: أين كنت؟ - كنت في البنك أسحب قرشين. - ولماذا لم ترسلني مثل كل مرة؟ - اشتقت أن أرى أصدقائي هناك، ووجدت نفسي أريد أن أخرج. - أرجوك يا خواجة، إذا أردت أن تخرج مرة أخرى أخبر نعمات. - طيب، ولو أنني لا أظن أنني سأخبرها. •••
مر على هذا النقاش شهر وبضعة أيام، ثم نادى الخواجة سويلم قبل أن ينزل في الصباح: أين ستذهب اليوم؟ - اليوم لن أمر على بلاد، سأمر على زبائن الزقازيق. - ليس مهما. - لماذا؟ - أنا أريدك. - فيم؟ - اجلس. خذ. - ما هذا؟ هذا شيك أبيض، لماذا لم تكتبه؟ - في هذه المرة أنت ستكتبه. - لماذا؟ أكتبه؟ أنا في حياتي كلها لم أكتب شيكا. - اليوم ستكتب. - أنحبس. - لن تنحبس. - أنا يا خواجة لولاك ما ذهبت إلى البنك في حياتي أبدا. - ستذهب بعد هذا كثيرا. - لا أفهم. - اسمع. أنا ذهبت إلى البنك آخر مرة لأضع أموالي كلها باسمك يا سويلم. - ماذا؟ - ولا كلمة. - ربنا يا خواجة يبقيك، أنت لا تجعلنا نحتاج لشيء. - ولما أموت؟! - علمتني السوق ويكفيك هذا. - ومن يأخذ فلوسي؟
وألجم السؤال سويلم وراح يتهته. - أنت تأخذ هذه الفلوس، هذا حقك، أنا ليس لي أحد في الدنيا، خمسة وعشرون ألفا وأربعمائة جنيه. - يا خبر أسود. أبيض! وماذا أصنع بهذا جميعه؟ - هذا شأنك، وإن كان لي رأي فأنا أرى أن تذهب إلى مصر. وربنا إن شاء الله سيفتح عليك، أنت معك فلوس وتعرف السوق. - ربنا يطيل عمرك. والله أكذب عليك إن قلت إنني لست سعيدا، ولكن هذا كله لا يعوضني عنك يا خواجة، يا أبويا لمبرو. •••
وبعد أيام لم تكتمل شهرا مات لمبرو.
الفصل الخامس
كان طبيعيا أن تزداد الصلة توثقا بين سويلم والحاج محمدين وفؤاد وأسرته الجديدة، وهكذا لم يكن غريبا أن يفرح سويلم فرحا صادقا، حين أنجبت وهيبة ولدها الأول فكري بعد تسعة أشهر من زواجها، وحين حمل الهدية إلى بيت الحاج محمدين حيث يقيم فؤاد ووهيبة لم ينس أن يقول: بينه وبين مجدي عام واحد، وإن شاء الله الحب الذي بيننا يستمر في ولدينا.
وحين مات الخواجة لمبرو بعد ذلك بسنوات لم يكن سويلم قد أطلع الحاج محمدين بما صنعه معه الخواجة لمبرو.
صفى سويلم أعماله بالزقازيق وأقفل شقة الزقازيق، مستبقيا لها لتكون سكنا له إن جاء إلى الزقازيق، وقد نقل العقد إلى اسمه دون أن يجد أي عراقيل من الخواجة مارك صاحب العمارة، واستنتج من ذلك أن الخواجة لمبرو لم يخف عن مارك ما فعله.
وفي القاهرة نزل مع زوجته وابنه في فندق، وتركوا الحقائب واتجهوا من فورهم إلى بيت الحاج محمدين، وحين استقرت بهما الجلسة قص سويلم على الحاج وفؤاد ووهيبة ما صنعه الخواجة، وكان الحاج في شيخوخته ومن العسير على أحد أن يجعله ينبهر لشيء أو يندهش، ولكنه لم يستطع مع حديث سويلم إلا أن يسفر عن ذهول ساطع: ألف مبروك يا سويلم، ولماذا أخفيت علي هذا؟ أنت تعلم كم يفرح له هذا البيت؟ - يا آبا الحاج الأمور تلاحقت كأنما حلم متصل، أنا لم أكن أدري شيئا على الإطلاق، ولم أكن أتصور، إلى أن فاجأني المرحوم بهذا الخبر قبل وفاته بأيام لم تكتمل شهرا، ومرضه جعلني ألازمه ملازمة تامة، وربما احتاج العمل أن أحضر إلى القاهرة، ولكنني امتنعت خشية أن يظن الرجل أنني لم أعد أعنى به بعد أن تنازل لي عن أمواله، وربما خشيت أيضا أن يظن أنني تركته لأحضر إليك خصيصى وأخبرك بما كان، فيشعر كأنني كنت أنتظر ما صنعه أو أتوقعه، والحقيقة يا حاج أنني منذ قال المرحوم ما قال وأنا في ذهول، أنا رجل فقير يا ابا الحاج وهذه المبالغ نسمع عنها ولا نتصور أن نتعامل معها أبدا.
وقال الحاج: أنت رجل طيب يا سويلم، وقد بقيت وفيا للرجل، وقدر هو معروفك وأمانتك.
অজানা পৃষ্ঠা