নাফহা জাকিয়্যা
النفحة الزكية في تاريخ مصر وأخبار الدولة الإسلامية
জনগুলি
في ذكر مصر في عهد الدولة العباسية
ولما أفضت الخلافة إلى بني العباس، صارت مصر تحت حكمهم أيضا؛ حيث كانت جزءا من الدولة الإسلامية، إلا أن حكمهم في مصر لم يمتد إلا إلى سنة 358 هجرية؛ أعني إلى أيام أبي العباس بن المقتدر الملقب بالمطيع لله، وهو الخليفة الثالث والعشرون من العباسيين، وقد استقلت مصر أثناء تلك المدة مرتين استقلالا إداريا؛ فاستقلت أولا نحو سبع وثلاثين سنة تحت حكم العائلة الطولونية حيث انفرد بإدارتها أحمد بن طولون في أيام المعتمد على الله ابن المتوكل الخليفة الخامس عشر منهم، وأسس فيها الدولة الطولونية، ثم دخلت في حوزة العباسيين ثانيا في عهد المكتفي بالله بن المعتضد الخليفة السابع عشر منهم، واستمرت نحت سلطتهم إلى أيام الراضي بالله، فولى عليها أبا بكر محمد بن طغج عاملا من قبله، فاستقل أيضا بإدارتها وتلقب بالإخشيد، وأسس فيها العائلة الإخشيدية التي أقامت أربعا وثلاثين سنة إلى تغلبت على مصر الدولة الفاطمية في عهد الخليفة العباسي المطيع لله، فخرجت مصر بالكلية من يد العباسيين.
وقد استعمل بنو العباس نفس السياسة التي استعملها بنو أمية في كيفية انتخاب العمال وفي سرعة تغييرهم؛ فاستمرت مصر في أيامهم على الحالة التي كانت عليها في أيام بني أمية، وزاد بنو العباس في سياستهم حتى نتج عنها أن العمال صاروا لا يجتهدون مدة إقامتهم بمصر إلا في الحصول على المنفعة الشخصية كالثروة وغيرها، بدون نظر إلى مصلحة البلاد.
ومن مآثر هذه الدولة بمصر بناء مدينة العسكر التي جعلت مركزا لحكومة مصر في عهدها؛ وهي مدينة صغيرة تحتوي على طرق منظمة وأسواق، وبيوت مشيدة مسكونة جميعها بالعساكر، كانت توجد في شمال الفسطاط خارج سوره، وتتصل شمالا بهضبة قليلة الارتفاع تسمى جبل يشكر، وتنتهي غربا عند النقطة المسماة قنطرة السباع، أسسها أبو عون عبد الملك بن يزيد الذي حضر إلى مصر مع صالح بن علي ليقتفي أثر مروان الجعدي؛ وذلك أن جيشه كان قد نزل بتلك الجهة فأمر أصحابه بالبناء فيها، فابتنوا فيها تلك المدينة الصغيرة التي دعيت بالعسكر، ثم بنيت فيها دار الإمارة التي صار ينزل فيها أمراء مصر من بعد أبي عون إلى أن بني أحمد بن طولون القطائع وأقام فيها قصره، فانتقل تخت مصر إلى هذه المدينة.
ومن مآثر هذه الدولة أيضا الزيادات التي أضافها المأمون عند مجيئه مصر إلى مقياس النيل الذي أسسه أسامة بالروضة؛ فقد عمل له قبة مشيدة البناء، وهو الذي أسس الحوض والعامود الموجودين إلى الآن بالمقياس المذكور، وكتب الكتابة الكوفي الموجودة بأوجه الحوض من داخله التي لم يزلها إلى الآن تمادي الزمن، ثم تجديد بناء مقياس النيل بالفسطاط في أيام المتوكل على الله؛ حيث كان انهدم بزلزلة في أيامه فأمر ببنائه جديدا وسمي بالمقياس الجديد.
المطلب الرابع
في الدولتين الطولونية والإخشيدية، وفيه فرعان
لم تكن هاتان الدولتان من الدول الملوكية، وإنما هما عائلتان أصلهما من عمال الدولة العباسية على مصر، فاستقلتا بها كما استقل غيرهما من العائلات التي ذكرناها في جميع أنحاء الدولة العباسية، فكان أمراؤهما يعترفون بالتبعية للخلفاء ظاهرا وقد نبذوا طاعتهم باطنا، واستقلوا بإدارة البلاد وانفردوا بتدبيرها؛ ولذلك يعد زمن حكم العائلتين المذكورتين في مصر في مدة حكم الدولة العباسية عليها، وقد امتدت سلطتهما على مصر والشام وأرض الجزيرة لغاية نهر الفرات وعلى جزء من بلاد العرب أيضا.
الفرع الأول في الدولة الطولونية
حكمت هذه الدولة نحو السبعة وثلاثين سنة (255-292ه) تحت حكم خمسة أمراء من ذرية طولون؛ وهو مملوك تركستاني أسر في إحدى المواقع الحربية وجيء به إلى ابن أسد الصمامي عامل المأمون على بخارى، فأرسله ابن أسد إلى المأمون ضمن المماليك الذين أرسلهم إليه سنة 200 هجرية، فأعجب المأمون تناسب أعضائه وقوة بنيته فألحقه بحاشيته، وما زال يرقيه حتى جعله رئيس حرسه ولقبه بأمير الستر، فصرف طولون نحوا من عشرين سنة في هذا المنصب في أيام المأمون والمعتصم، فلما توفي في أيام المتوكل على الله سنة 239 هجرية رأى الخليفة في ابنه أحمد المولود سنة 220 هجرية اللياقة للقيام مقام أبيه في إمارة الستر، ولو أنه لم يبلغ التاسعة عشرة من العمر.
অজানা পৃষ্ঠা